الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم }
[ ص: 62 ] اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن البيت المقدس ، واختلفوا في تأويلها ; فمنهم من قال : وما كان الله ليضيع إيمانكم بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم قاله مات وهو يصلي إلى ، وتابعه عليه معظم المتكلمين ، والأصوليون . محمد بن إسحاق
وقد روى ، ابن وهب وابن القاسم ، وابن عبد الحكم ، وأشهب عن : أن المراد به صلاتكم ، زاد مالك أشهب ، وابن عبد الحكم : قال : " أقام الناس يصلون نحو مالك بيت المقدس ستة عشر شهرا ; ثم أمروا بالبيت ، فقال الله سبحانه وتعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي : في صلاتكم إلى البيت المقدس " .
قال : وإني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن . الصلاة ليست من الإيمان
فإن قيل : فإن كانت الصلاة من الإيمان فلم قال : إن تاركها غير كافر . مالك
وهذا تناقض ، فحققوا وجه التقصي عنه .
فالجواب : إنا وإن قلنا إن الصلاة من الإيمان لم يبعد ذلك تسمية ، وقد جاء ذلك في القرآن ; قال الله تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } إلى قوله تعالى : { الذين يقيمون الصلاة } إلى قوله تعالى : { أولئك هم المؤمنون } وكذلك لا يبعد أن يسمى تاركها كافرا .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة
وقد قال علماؤنا الأصوليون : في ذلك وجهان : [ ص: 63 ] أحدهما : أن تكون تسمية الصلاة إيمانا وتركها كفرا مجازا .
الثاني : أن يرجع ذلك إلى اعتقاد وجوب الصلاة أو اعتقاد نفي وجوبها ; وهذا لا يحتاج إليه ; بل يقول علماؤنا من الفقهاء : إنها تسمى إيمانا ، وهي من أركان الإيمان وعهد الإسلام .
ولكن الفرق بين علماء الأصول والمرجئة أن المرجئة قالت : ليست من الإيمان وتاركها في الجنة ، وهؤلاء قالوا : ليست من الإيمان وتاركها في المشيئة ، وعلماؤنا الفقهاء قالوا : هي من الإيمان وتاركها في المشيئة ، قضت بذلك آي القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . خمس صلوات كتبهن الله على عباده في اليوم والليلة من جاء بهن لم يضيع شيئا منهن استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
فقضت هذه الآية وهذا الحديث ونظائرهما على كل متشابه جاء معارضا في الظاهر لهما ; ولم يمتنع أن تسمى الصلاة إيمانا في إطلاق اللفظ ، ويحكم لتاركها بالمغفرة تخفيفا ورحمة .
[ ص: 64 ] ويحمل ما جاء من الألفاظ المكفرة ; كقوله عليه السلام : { فقد كفر ترك الصلاة } ونحوه على ثلاثة أوجه : الأول : على التغليظ . من
الثاني : أنه قد فعل فعل الكافر .
الثالث : أنه قد أباح دمه ، كما أباحه في الكافر ; والله أعلم .