الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة العاشرة : من اضطر إلى خمر ، فإن كان بإكراه شرب بلا خلاف ، وإن كان لجوع أو عطش فلا يشرب ، وبه قال مالك في العتبية ، وقال : لا تزيده الخمر إلا عطشا ، وحجته أن الله تعالى حرم الخمر مطلقا ، وحرم الميتة بشرط عدم الضرورة ، ومنهم من حمله على الميتة .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر الأبهري : إن ردت الخمر عنه جوعا أو عطشا شربها .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال الله تعالى في الخنزير : { فإنه رجس } ثم أباحه للضرورة ، وقال تعالى أيضا في الخمر : إنها رجس ، فتدخل في إباحة ضرورة الخنزير ; فالمعنى الجلي الذي هو أقوى من القياس ; ولا بد أن تروي ولو ساعة وترد الجوع ولو مدة .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الحادية عشرة : إذا غص بلقمة فهل يجيزها [ بخمر ] أم لا ؟ قيل : لا يسيغها بالخمر مخافة أن يدعي ذلك [ ص: 84 ] وقال ابن حبيب : يسيغها ; لأنها حالة ضرورة .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال العلماء : من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل دخل النار ، إلا أن يعفو الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح أنه سبحانه حرم الميتة والدم ولحم الخنزير أعيانا مخصوصة في أوقات مطلقة ، ثم دخل التخصيص بالدليل في بعض الأعيان ، وتطرق التخصيص بالنص إلى بعض الأوقات والأحوال ، فقال تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } ; فرفعت الضرورة التحريم ، ودخل التخصيص أيضا بحال الضرورة إلى حال تحريم الخمر لوجهين : أحدهما : حملا على هذا بالدليل كما تقدم من أنه محرم ، فأباحته الضرورة كالميتة .

                                                                                                                                                                                                              والثاني : أن من يقول : إن تحريم الخمر لا يحل بالضرورة ذكر أنها لا تزيده إلا عطشا ، ولا تدفع عنه شبعا ; فإن صح ما ذكره كانت حراما ، وإن لم يصح وهو الظاهر أباحتها الضرورة كسائر المحرمات .

                                                                                                                                                                                                              وأما الغاص بلقمة فإنه يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى ، وأما فيما بيننا فإن شهدناه فلا يخفى بقرائن الحال صورة الغصة من غيرها ، فيصدق إذا ظهر ذلك ، وإن لم يظهر حددناه ظاهرا وسلم من العقوبة عند الله تعالى باطنا .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية