الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة العاشرة : قوله تعالى : { غير مضار } وذلك راجع إلى الوصية والدين . أما رجوعه إلى الوصية فبوجهين : أحدهما : بأن يزيد على الثلث .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : بأن يوصي لوارث . فأما إن زاد على الثلث فإنه يرد إلا أن يجيز الورثة ; لأن المنع لحقوقهم لا لحق الله . وأما إن أوصى إلى وارث فإن الورثة المبدنة به أهل الوصايا في وصاياهم ، ويرجع ميراثا . وقال أبو حنيفة والشافعي : تبطل ، ولا يقع به تحاص ، ونظرهما بين في إسقاط ما زاد على الثلث لبطلانه . ومطلع نظر مالك أعلى ; لأنا نتبين بوصيته للوارث مع سائر الوصايا أنه أراد تنقيص حظ الوصايا وتخصيص وارثه ، فإن بطل أحد [ ص: 454 ] القصدين ، لأن الشرع لم يجوزه ، لم يبطل الآخر ; لأن الشرع لم يمنع منه .

                                                                                                                                                                                                              وقد بيناه في مسائل الخلاف ، فيرد ما أبطل الشرع ويمضي ما لم يعترض فيه . وأما رجوع المضارة إلى الدين فبالإقرار في حالة لا يجوز فيها لشخص الإقرار له به ، كما لو أقر في مرضه لوارثه بدين أو لصديق ملاطف له ، فإن ذلك لا يجوز عندنا إذا تحققنا المضارة بقوة التهمة ، أو غلب على ظننا . وقال أبو حنيفة : يبطل الإقرار رأسا . وقال الشافعي : يصح .

                                                                                                                                                                                                              ومطلع النظر أنا لمحنا أن الموروث لما علم أن هبته لوارثه في هذه الحالة أو وصيته له لا تجوز ، وقد فاته نفعه في حال الصحة عمد إلى الهبة فألقاها بصورة الإقرار لتجوزها ; ويعضد هذه التهمة صورة القرابة وعادة الناس بقلة الديانة . ومطلع نظر أبي حنيفة نحو منه ; لكنه ربط الأمر بصفة القرابة حين تعذر عليه الوقوف على التهمة ، كما علقت رخص السفر بصورة السفر حين تعذر الوقوف على تحرير المشقة ووجودها .

                                                                                                                                                                                                              وراعى الشافعي في نظره أن هذه حالة إخبار عن حق واجب يضاف إلى سبب جائز في حالة يؤمن فيها الكافر ، ويتقي فيها الفاجر ، ويتوب فيها العاصي ، فأمضاه عليهم ، وجوزه . فإن قال : الإقرار حجة شرعية فلا يؤثر فيها المرض . قلنا : وإن كان الإقرار حجة شرعية [ فإن الهبة صلة شرعية ] ، ولكن حجرها المرض . كذلك تحجر التهمة الإقرار ، وكما ردت التهمة الشهادة أيضا .

                                                                                                                                                                                                              وأما نظر أبي حنيفة إلى صورة القرابة ففيه إلغاء العلة في غير محلها وقصر لها على موردها . وينبغي أن تطرد العلة حيث وجدت ما لم يقف دونها دليل تخصيص ، فعلى هذا إذا وجدنا التهمة في غير القريب من صديق ملاطف حكمنا ببطلان الإقرار ، وكم من صديق ألصق من قريب وأحكم عقدة في المودة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية