مسألة : اختلف العلماء في ، فروي عن الحكم بالقسامة سالم وأبي قلابة وعمر بن عبد العزيز التوقف في الحكم بها . وإليه مال والحكم بن عيينة ؛ لأنه أتى بحديث القسامة في غير موضعه . وقال الجمهور : الحكم بالقسامة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلفوا [ ص: 426 ] في البخاري بها ، فقالت طائفة : يبدأ فيها المدعون بالأيمان ، فإن حلفوا استحقوا ، وإن نكلوا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرءوا . هذا قول كيفية الحكم أهل المدينة والليث والشافعي وأحمد . وهو مقتضى حديث وأبي ثور حويصة ومحيصة ، خرجه الأئمة مالك وغيره . وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ بالأيمان المدعى عليهم فيحلفون ويبرءون . روي هذا عن عمر بن الخطاب والشعبي والنخعي ، وبه قال الثوري والكوفيون ، واحتجوا بحديث شعبة بن عبيد عن بشير بن يسار ، وفيه : فبدأ بالأيمان المدعى عليهم ، وهم اليهود . وبما رواه أبو داود عن الزهري عن عن رجال من أبي سلمة ابن عبد الرحمن الأنصار لليهود وبدأ بهم : ( أيحلف منكم خمسون رجلا ) . فأبوا ، فقال للأنصار : ( استحقوا ) فقالوا : نحلف على الغيب يا رسول الله ، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود ؛ لأنه وجد بين أظهرهم . وبقوله عليه السلام : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) فعينوا ، قالوا : وهذا هو الأصل المقطوع به في الدعاوى الذي نبه الشرع على حكمته بقوله عليه السلام ولكن اليمين على المدعى عليه رد عليهم أهل المقالة الأولى فقالوا : حديث لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه سعيد بن عبيد في تبدية اليهود وهم عند أهل الحديث ، وقد أخرجه وقال : ولم يتابع النسائي سعيد في هذه الرواية فيما أعلم ، وقد أسند حديث بشير عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدعين يحيى بن سعيد وابن عيينة وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وعيسى بن حماد ، فهؤلاء سبعة . وإن كان أرسله وبشر بن المفضل مالك فقد وصله جماعة الحفاظ ، وهو أصح من [ ص: 427 ] حديث سعيد بن عبيد . قال : فلا يجوز أن يعترض بخبر واحد على خبر جماعة ، مع أن أبو محمد الأصيلي سعيد بن عبيد قال في حديثه : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من إبل الصدقة ، والصدقة لا تعطى في الديات ولا يصالح بها عن غير أهلها ، وحديث أبي داود مرسل فلا تعارض به الأحاديث الصحاح المتصلة ، وأجابوا عن التمسك بالأصل بأن هذا الحكم أصل بنفسه لحرمة الدماء . قال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، والحكم بظاهر ذلك يجب ، إلا أن يخص الله في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حكما في شيء من الأشياء فيستثنى من جملة هذا الخبر . فمما دل عليه الكتاب يشهدون له على صدق ما رمي به المقذوف وخص من رمى زوجته بأن أسقط عنه الحد إذا شهد أربع شهادات . ومما خصته السنة حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة . وقد روى إلزام القاذف حد المقذوف إذا لم يكن معه أربعة شهداء عن ابن جريج عطاء عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . خرجه البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة . وقد احتج الدارقطني مالك لهذه المسألة في موطئه بما فيه كفاية ، فتأمله هناك .