الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالثة : استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة : اسجدوا لآدم . قالوا : وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم .

والجواب أن معنى اسجدوا لآدم اسجدوا لي [ ص: 277 ] مستقبلين وجه آدم . وهو كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس أي عند دلوك الشمس وكقوله : ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين . وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة .

فإن قيل : فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الأمر بالسجود له ؟ قيل له : إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم . وقال بعضهم : عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما . ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها لما قال لهم : إني جاعل في الأرض خليفة وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا ، فقال لهم : إني خالق بشرا من طين وجاعله خليفة ، فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . والمعنى : ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن .

فإن قيل : فقد استدل ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . وأمنه من العذاب بقوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر . وقال للملائكة : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم . قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه ، فلم يقل : لعمري . وأقسم بالسماء والأرض ، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع . وأقسم بالتين والزيتون . وأما قوله سبحانه : ومن يقل منهم إني إله من دونه فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام : لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فليس فيه إذا دلالة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية