الفرع الأول : الشك في المماثلة كتحقق المفاضلة ، فهو حرام في كل ما يحرم فيه ربا الفضل ، ودليل ذلك ما أخرجه مسلم ، عن والنسائي جابر قال : بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر . نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
الفرع الثاني : ، ودليل ذلك : ما أخرجه لا يجوز التراخي في قبض ما يحرم فيه ربا النساء ، البخاري ومسلم - رضي الله عنه - قال : أقبلت ؟ أقول : من يصطرف الدراهم ، فقال مالك بن أوس طلحة : أرنا الذهب حتى يأتي الخازن ، ثم تعال فخذ [ ص: 179 ] ورقك ، فقال رضي الله عنه : كلا ، والذي نفسي بيده لتردن إليه ذهبه ، أو لتنقدنه ورقه ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الذهب بالورق ربا إلا ها وها ، والبر بالبر ربا إلا ها وها ، والشعير بالشعير ربا إلا ها وها ، والتمر بالتمر ربا إلا ها وها عمر بن الخطاب " . من حديث
الفرع الثالث : . ودليل ذلك : ما رواه لا يجوز أن يباع ربوي بربوي كذهب بذهب ، ومع أحدهما شيء آخر مسلم في " صحيحه " عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، من حديث قال : فضالة بن عبيد الأنصاري بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب ، وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة فنزع ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب وزنا بوزن " . أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو
وروى مسلم نحوه أيضا عن ، أبي بكر بن شيبة من حديث وقتيبة بن سعيد - رضي الله عنه - ونحوه . أخرجه فضالة بن عبيد ، النسائي وأبو داود ، وصححه . والترمذي
وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - في " نيل الأوطار " ، عند ذكر صاحب " المنتقى " : لحديث المذكور ما نصه ، الحديث . فضالة بن عبيد
قال في " التلخيص " : له عند في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب ، وفي بعضها ذهب وجوهر ، وفي بعضها خرز معلقة بذهب ، وفي بعضها باثني عشر دينارا ، وفي بعضها بتسعة دنانير ، وفي أخرى بسبعة دنانير . وأجاب الطبراني البيهقي عن هذا الاختلاف ، بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة .
قال الحافظ : والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا ، بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه ، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل ، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب .
وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم ، فتكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة ، وبعض هذه الروايات التي ذكرها في " صحيح الطبراني مسلم " و " سنن أبي داود " ، اهـ منه بلفظه . وقد قدمنا بعض روايات مسلم .
الفرع الرابع : لا يجوز ، ودليل ذلك : ما صح عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه بأكثر من وزنه . أنه - صلى الله عليه وسلم - صرح بتحريم بيع [ ص: 180 ] الفضة بالفضة ، والذهب بالذهب ، إلا مثلا بمثل ، وأن من زاد أو استزاد فقد أربى
وقد أخرج البيهقي في " السنن الكبرى " عن مجاهد أنه قال : كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني أصوغ الذهب ، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي فيه ، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد أن يركبها . وعبد الله بن عمر
ثم قال عبد الله بن عمر : . الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلينا وعهدنا إليكم
ثم قال البيهقي : وقد مضى حديث معاوية حيث باع سقاية ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فنهاه ، وما روي عن أبو الدرداء - رضي الله عنه - في النهي عن ذلك . عمر بن الخطاب
وروى البيهقي أيضا عن أبي رافع ، أنه قال : قلت : إني أصوغ الذهب فأبيعه بوزنه وآخذ لعمالة يدي أجرا ، قال : لا تبع الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ، ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن ، ولا تأخذ فضلا " ا هـ منه . لعمر بن الخطاب
وما ذكره البيهقي - رحمه الله - أنه ما قدمه من نهي أبي الدرداء وعمر لمعاوية ، هو قوله : أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، وأبو بكر بن الحسن وغيرهما ، قالوا : حدثنا ، أنا أبو العباس الأصم الربيع ، أنبأنا ، أنا الشافعي مالك ، وأخبرنا ، أنا علي بن أحمد بن عبدان ، حدثنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق عن عبد الله يعني القعنبي مالك ، عن ، عن زيد بن أسلم : أن عطاء بن يسار باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال له معاوية بن أبي سفيان : أبو الدرداء . فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل معاوية : ما أرى بهذا بأسا . فقال له : من يعذرني من أبو الدرداء معاوية أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أنت بها ، ثم قدم على أبو الدرداء رضي الله عنه - فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب عمر إلى معاوية أن لا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل ووزنا بوزن ، ولم يذكر الربيع عن في هذا قدوم الشافعي على أبي الدرداء عمر ، وقد ذكره في رواية الشافعي المزني . اهـ منه بلفظه .
ونحو هذا أخرجه مسلم في " الصحيح " من حديث - رضي الله [ ص: 181 ] عنه - من رواية عبادة بن الصامت أبي الأشعث قال : غزونا غزاة وعلى الناس معاوية ، فغنمنا غنائم كثيرة ، فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس ، فتسارع الناس في ذلك فبلغ ، فقام فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبادة بن الصامت . فرد الناس ما أخذوا ، فبلغ ذلك ينهى عن بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا سواء بسواء عينا بعين ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى معاوية فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه ، فقام فأعاد القصة ثم قال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره عبادة بن الصامت معاوية أو قال : وإن رغم ما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلة سوداء . قال حماد هذا أو نحوه . اهـ .
هذا لفظ مسلم في " صحيحه " وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن الصناعة الواقعة في الذهب أو الفضة لا أثر لها ، ولا تبيح المفاضلة بقدر قيمة الصناعة كما ذكرنا . وهذا هو مذهب الحق الذي لا شك فيه . وأجاز - رحمه الله تعالى - للمسافر أن يعطي دار الضرب نقدا وأجرة صياغته ويأخذ عنهما حليا قدر وزن النقد بدون الأجرة ; لضرورة السفر كما أشار إليه خليل بن إسحاق في " مختصره " بقوله : بخلاف تبر يعطيه المسافر وأجرته دار الضرب ليأخذ زنته . مالك بن أنس
قال مقيده عفا الله عنه : الظاهر من نصوص السنة الصحيحة أن هذا لا يجوز ; لضرورة السفر كما استظهر عدم جوازه ابن رشد ، وإليه الإشارة بقول صاحب " المختصر " : والأظهر خلافه يعني : ولو اشتدت الحاجة إليه إلا لضرر يبيح الميتة ، كما قرره شراح " المختصر " .
الفرع الخامس : اختلف الناس في نظرا إلى أنها سند ، وأن المبيع الفضة التي هي سند بها فيمنع بيعها ولو يدا بيد مثلا بمثل ، ويمنع بيعها بالذهب أيضا ولو يدا بيد ; لأنه صرف ذهب موجود أو فضة موجودة بالفضة غائبة ، وإنما الموجود سند بها فقط فيمنع فيها لعدم المناجزة ; بسبب عدم حضور أحد النقدين أو لا يمنع فيها شيء من ذلك ; نظرا إلى أنها بمثابة عروض التجارة ، فذهب كثير من المتأخرين إلى أنها كعروض التجارة ، فيجوز الفضل والنساء بينها وبين الفضة والذهب ، وممن أفتى بأنها كعروض التجارة العالم المشهور الأوراق المتعامل بها هل يمنع الربا بينها وبين النقدين عليش المصري صاحب " النوازل " ، و " شرح مختصر خليل " ، وتبعه في فتواه بذلك كثير من متأخري [ ص: 182 ] علماء المالكية .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أنها ليست كعروض التجارة ، وأنها سند بفضة وأن المبيع الفضة التي هي سند بها . ومن قرأ المكتوب عليها فهم صحة ذلك ، وعليه فلا يجوز بيعها بذهب ولا فضة ولو يدا بيد ; لعدم المناجزة بسبب غيبة الفضة المدفوع سندها ; لأنها ليست متمولة ولا منفعة في ذاتها أصلا . فإن قيل لا فرق بين الأوراق وبين فلوس الحديد ; لأن كلا منهما ليس متمولا في ذاته مع أنه رائج بحسب ما جعله له السلطان من المعاملة فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أنا إذا حققنا أن الفلوس الحديدية الحالية لا منفعة فيها أصلا ، وأن حقيقتها سند بفضة ، فما المانع من أن نمنع فيها الربا مع النقد ، والنصوص صريحة في منعه بين النقدين ، وليس هناك إجماع يمنع إجراء النصوص على ظواهرها بل مذهب مالك أن فلوس الحديد لا تجوز بأحد النقدين نسيئة ، فسلم الدراهم في الفلوس كالعكس ممنوع عندهم .
وما ورد عن بعض العلماء مما يدل على أنه فإنه محمول على أن ذلك الحديد الذي منه تلك الفلوس فيه منافع الحديد المعروفة المشار إليها بقوله تعالى : لا ربا بين النقدين وبين فلوس الحديد وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس [ 57 \ 25 ] ، فلو جمعت تلك الفلوس وجعلت في النار لعمل منها ما يعمل من الحديد من الأشياء المنتفع بها ، ولو كانت كفلوسنا الحالية على تسليم أنها لا منفعة فيها أصلا ، لما قالوا بالجواز ; لأن ما هو سند لا شك أن المبيع فيه ما هو سند به لا نفس السند . ولذا لم يختلف الصدر الأول في أن المبيع في بيع الصكاك الذي ذكره مسلم في " الصحيح " وغيره أنه الرزق المكتوب فيها لا نفس الصكاك التي هي الأوراق التي هي سند بالأرزاق .
الثاني : أن هناك فرقا بينهما في الجملة وهو أن الفلوس الحديدية لا يتعامل بها بالعرف الجاري قديما وحديثا ، إلا في المحقرات فلا يشترى بها شيء له بال بخلاف الأوراق ، فدل على أنها أقرب للفضة من الفلوس .
الثالث : أنا لو فرضنا أن كلا من الأمرين محتمل فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " ، ويقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، ويقول : [ ص: 183 ] " فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " الحديث . وقال الناظم والإثم ما حاك في النفس
وذو احتياط في أمور الدين من فر من شك إلى يقين
وقد قدمنا مرارا أن ; لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام ، ولا سيما تحريم الربا الذي صرح الله تعالى بأن مرتكبه محارب الله ، وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعنه . ومن أنواع الربا ما اختلف العلماء في منعه ، كما إذا كان البيع ظاهره الحلية ، ولكنه يمكن أن يكون مقصودا به التوصل إلى الربا الحرام عن طريق الصورة المباحة في الظاهر كما ما دل على التحريم مقدم على ما دل على الإباحة فظاهر العقدين الإباحة ; لأنه بيع سلعة بدراهم إلى أجل في كل منهما وهذا لا مانع منه ، ولكنه يجوز أن يكون مقصود المتعاقدين دفع دراهم وأخذ دراهم أكثر منها لأجل أن السلعة الخارجة من اليد العائدة إليها ملغاة ، فيئول الأمر إلى أنه دفع دراهم وأخذ أكثر منها لأجل ، وهو عين الربا الحرام ومثل هذا ممنوع عند لو باع سلعة بثمن إلى أجل ، ثم اشترى تلك السلعة بعينها بثمن أقل من الأول نقدا ، أو لأقرب من الأجل الأول ، أو بأكثر لأبعد مالك ، وأحمد ، ، والثوري ، والأوزاعي وأبي حنيفة ، ، وروي عن والحسن بن صالح الشعبي والحكم وحماد كما في " الاستذكار " ، وأجازه الشافعي .
واستدل المانعون بما رواه البيهقي ، عن والدارقطني عائشة أنها أنكرت ذلك على ، وقالت : أبلغي زيد بن أرقم زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يتب .
وقال : إن الشافعي مخالف زيد بن أرقم لعائشة ، وإذا اختلف صحابيان في شيء رجحنا منهما من يوافقه القياس ، والقياس هنا موافق لزيد ; لأنهما عقدان كل منهما صحيح في نفسه .
وقال أيضا : لو كان هذا ثابتا عن الشافعي عائشة فإنها إنما عابت التأجيل بالعطاء ; لأنه أجل غير معلوم والبيع إليه لا يجوز . واعترضه بعض العلماء بأن الحديث ثابت عن عائشة ، وبأن ذكر في مصنفه أن أمهات المؤمنين كن يشترين إلى العطاء والله تعالى أعلم . وبأن ابن أبي شيبة عائشة لا تدعي بطلان الجهاد بمخالفة رأيها ، وإنما تدعيه بأمر علمته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا البيع الذي ذكرنا تحريمه هو المراد عند العلماء ببيع العينة ويسميه المالكية بيوع الآجال ، وقد نظمت ضابطه في نظمي الطويل في فروع مالك بقولي :
[ الرجز ] [ ص: 184 ]
بيوع الآجال إذا كان الأجل أو ثمن كأخويهما تحل
وإن يك الثمن غير الأول وخالف الأجل وقت الأجل
فانظر إلى السابق بالإعطاء هل عاد له أكثر أو عاد أقل
فإن يكن أكثر مما دفعه فإن ذاك سلف بمنفعة
وإن يكن كشيئه أو قلا عن شيئه المدفوع قبل حلا