الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة الثالثة : إذا كان الخف مخرقا ، ففي جواز المسح عليه خلاف بين العلماء ، فذهب مالك وأصحابه إلى أنه إن ظهر من تخريقه قدر ثلث القدم لم يجز المسح عليه ، وإن كان أقل من ذلك جاز المسح عليه ، واحتجوا بأن الشرع دل على أن الثلث آخر حد اليسير ، وأول حد الكثير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم : لا يجوز المسح على خف فيه خرق يبدو منه شيء من القدم ، وبه قال أحمد بن حنبل ، والشافعي في الجديد ، ومعمر بن راشد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 341 ] واحتج أهل هذا القول بأن المنكشف من الرجل حكمه الغسل ، والمستور حكمه المسح ، والجمع بين المسح والغسل لا يجوز ، فكما أنه لا يجوز له أن يغسل إحدى رجليه ويمسح على الخف في الأخرى ، لا يجوز له غسل بعض القدم مع مسح الخف في الباقي منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الخرق الكبير يمنع المسح على الخف دون الصغير . وحددوا الخرق الكبير بمقدار ثلاثة أصابع .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : من أصابع الرجل الأصاغر ، وقيل : من أصابع اليد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم : يجوز المسح على جميع الخفاف ، وإن تخرقت تخرقا كثيرا ما دامت يمكن تتابع المشي فيها ; ونقله ابن المنذر عن سفيان الثوري ، وإسحاق ، ويزيد بن هارون ، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى البيهقي في السنن الكبرى عن سفيان الثوري ، أنه قال : امسح عليهما ما تعلقا بالقدم ، وإن تخرقا ، قال : وكانت كذلك خفاف المهاجرين والأنصار مخرقة مشققة ، اهـ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : قول معمر بن راشد في ذلك أحب إلينا ، وهذا القول الذي ذكرنا عن الثوري ، ومن وافقه هو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن المنذر : وبقول الثوري أقول ، لظاهر إباحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين قولا عاما يدخل فيه جميع الخفاف . اهـ ، نقله عنه النووي وغيره ، وهو قوي .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الأوزاعي إن ظهرت طائفة من رجله مسح على خفيه ، وعلى ما ظهر من رجله . هذا حاصل كلام العلماء في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأقرب الأقوال عندي ، المسح على الخف المخرق ما لم يتفاحش خرقه حتى يمنع تتابع المشي فيه لإطلاق النصوص ، مع أن الغالب على خفاف المسافرين ، والغزاة عدم السلامة من التخريق ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية