قال ولي الدين والفعل في سياق الثبوت لا يعم كالنكرة المثبتة ، إلا أن تكون في معرض الامتنان كقوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء طهورا [ 25 \ 48 ] . اهـ . من " الضياء اللامع " لابن حلولو .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وجه كون الفعل في سياق الثبوت لا يعم هو أن الفعل ينحل عند النحويين ، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن وينحل عند جماعة من البلاغيين عن مصدر وزمن ونسبة ، فالمصدر كامن في معناه إجماعا ، والمصدر الكامن فيه لم يتعرف بمعرف فهو نكرة في المعنى ومعلوم أن النكرة لا تعم في الإثبات وعلى هذا جماهير العلماء وما زعمه بعضهم من أن الجمع الصوري لم يرد في لسان الشارع ولا أهل عصره فهو مردود بما قدمنا عن عند ابن عباس النسائي عند وابن عمر عبد الرزاق ، وبما رواه أبو داود وأحمد وصححاه والترمذي والشافعي وابن ماجه والدارقطني والحاكم حمنة بنت جحش رضي الله عنها " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها وهي مستحاضة ، " فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حتى تطهري وتصلين الظهر والعصر جمعا ، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الصبح " . [ ص: 290 ] قال : وهذا أعجب الأمرين إلي ، ومما يدل على أن الجمع المذكور في حديث من حديث جمع صوري ما رواه ابن عباس من طريق النسائي عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء " أن صلى ابن عباس بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل " ، وفيه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم ، ثم جمع بين المغرب والعشاء وفيه تصديق ابن عباس أبي هريرة في رفعه . انتهى من " فتح الباري " . لابن عباس
وما ذكره الخطابي في " الفتح " من أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وابن حجر " في حديث صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي ابن عباس المتقدمين يقدح في حمله على الجمع الصوري ; لأن القصد إليه لا يخلو من حرج ، وأنه أضيق من الإتيان بكل صلاة في وقتها ; لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما يصعب إدراكه على الخاصة فضلا عن العامة ، يجاب عنه بما أجاب به العلامة وابن مسعود الشوكاني رحمه الله في " نيل الأوطار " وهو أن الشارع - صلى الله عليه وسلم - ، قد عرف أمته أوائل الأوقات وأواخرها وبالغ في التعريف والبيان ، حتى إنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة ، والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها ، وفعل الأخرى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها ، كما كان ديدنه - صلى الله عليه وسلم - ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " " ، ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرة أخف من صلاة كل منهما في أول وقتها . ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله
وممن ذهب إلى أن المراد بالجمع المذكور الجمع الصوري ابن الماجشون وإمام الحرمين والطحاوي والقرطبي ، وقواه ابن سيد الناس . بما قدمنا عن أبي الشعثاء ، ومال إليه بعض الميل النووي في " شرح المهذب " في باب " المواقيت من كتاب الصلاة " ، فإن قيل : الجمع الصوري الذي حملتم عليه حديث هو فعل كل واحدة من الصلاتين المجموعتين في وقتها وهذا ليس برخصة ، بل هو عزيمة فأي فائدة إذن في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عباس " ، مع كون الأحاديث المعينة للأوقات تشمل الجمع الصوري ، وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته وإلغاء مضمونه ، فالجواب ، هو ما أجاب به العلامة لئلا تحرج أمتي الشوكاني رحمه الله أيضا ، وهو أنه لا شك أن كما ذكره المعترض ، فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبا إليها ، بل هو منسوب إلى الأفعال ليس إلا لما عرفناك من أنه - صلى الله عليه وسلم - ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين ، فربما ظن ظان أن فعل الصلاة في أول وقتها متحتم لملازمته - صلى الله عليه وسلم - لذلك طول عمره فكان في جمعه جمعا صوريا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل . الأقوال الصادرة منه - صلى الله عليه وسلم - ، في أحاديث توقيت الصلوات شاملة للجمع [ ص: 291 ] الصوري
وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر منه بالأقوال ، ولهذا امتنع الصحابة رضي الله عنهم من نحر بدنهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم - صلى الله عليه وسلم - ، بالنحر حتى دخل - صلى الله عليه وسلم - على مغموما فأشارت عليه بأن ينحر ويدعو الحلاق يحلق له ففعل ، فنحروا جميعا وكادوا يهلكون غما من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق ، ومما يؤيد أن الجمع المتنازع فيه لا يجوز لغير عذر ما أخرجه أم سلمة الترمذي عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عباس " ، وفي إسناده من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر حنش بن قيس وهو ضعيف .
ومما يدل على ذلك أيضا ما قاله الترمذي ، في آخر " سننه " في كتاب العلل منه ، ولفظه جميع ما في كتابي هذا من الحديث معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ، ما خلا حديثين : حديث " ابن عباس بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ، ولا سفر " الخ . وبه تعلم أن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر الترمذي يقول : إنه لم يذهب أحد من أهل العلم إلى العمل بهذا الحديث في جمع التقديم أو التأخير ، فلم يبق إلا الجمع الصوري ، فيتعين .
قال مقيده - عفا الله عنه - : روي عن جماعة من أهل العلم أنهم أجازوا للحاجة مطلقا ، لكن بشرط ألا يتخذ ذلك عادة ، منهم : الجمع في الحضر ، ابن سيرين وربيعة ، وأشهب ، وابن المنذر ، . والقفال الكبير
وحكاه الخطابي ، عن جماعة من أصحاب الحديث ، قال ابن حجر ، وغيره وحجتهم ما تقدم في الحديث من قوله : " " ، وقد عرفت مما سبق أن الأدلة تعين حمل ذلك على الجمع الصوري ، كما ذكر ، والعلم عند الله تعالى . لئلا تحرج أمتي