قوله تعالى : ( إلا إبليس أبى واستكبر ) لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه ، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله : ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ 7 \ 12 ] ، وقوله : ( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) [ 15 \ 33 ] .
تنبيه
مثل قياس إبليس نفسه على عنصره ، الذي هو النار وقياسه آدم على عنصره ، الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم . ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه ، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى : ( اسجدوا لآدم ) يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار . وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " : [ الرجز ]
والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى
الثاني : أنا لا نسلم أن النار خير من الطين ، بل الطين خير من النار ; لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق ، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة [ ص: 34 ] فيعطيكها سنبلة ، والنواة فيعطيكها نخلة .
وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة ، وما فيها من الثمار اللذيذة ، والأزهار الجميلة ، والروائح الطيبة تعلم أن الطين خير من النار .
الثالث : أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن النار خير من الطين ، فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم ; لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع ، بل قد يكون الأصل رفيع الفرع وضيعا ، كما قال الشاعر : [ البسيط ]
إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
وقال الآخر : [ المتقارب ]
وما ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهله