قال : والمنافقون هنا غير من نزلت فيهم آيات البقرة وسورة المنافقين وأمثالها من الآيات ، والمراد بالمنافقين هنا فريق من المشركين كانوا يظهرون المودة للمسلمين والولاء لهم وهم كاذبون فيما يظهرون ، ضلعهم مع أمثالهم من المشركين ، ويحتاطون في إظهار الولاء للمسلمين إذا رأوا منهم قوة ، فإذا ظهر لهم ضعفهم انقلبوا عليهم وأظهروا لهم العداوة ، فكان المؤمنون فيهم على قسمين ، منهم من يرى أن يعدوا من الأولياء ويستعان بهم على سائر المشركين المحادين لهم جهرا ، ومنهم من يرى أن يعاملوا كما يعامل غيرهم من المجاهرين بالعداوة - وعبارته ممن لا ينافق - فأنكر الله عليهم ذلك وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=30797_28975والله أركسهم بما كسبوا أي : كيف تتفرقون في شأنهم ، والحال أن الله - تعالى - أركسهم وصرفهم عن الحق الذي أنتم عليه بما كسبوا من أعمال الشرك والمعاصي ، حتى أنهم لا ينظرون فيه نظر إنصاف ، وإنما ينظرون إليكم وما أنتم عليه نظر الأعداء المبطلين ، ويتربصون بكم الدوائر ، انتهى ما نقلناه عن الدرس وليس عندنا عنه هنا شيء آخر .
أقول : الركس - بفتح الراء - مصدر ركس الشيء يركسه - بوزن نصر - إذا قلبه على رأسه أو رد آخره على أوله ، يقال : ركسه وأركسه فارتكس ، قال في اللسان بعد معنى ما ذكر ، وقال
شمر : بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي أنه قال : المنكوس والمركوس المدبر عن حاله ، والركس رد الشيء مقلوبا اهـ ، ويظهر أنه مأخوذ من الركس - بكسر الراء - وهو كما في اللسان شبيه بالرجيع ، وأطلق في الحديث على الروث ، والحاصل أن الركس والإركاس شر ضروب التحول والارتداد ، وهو أن يرجع الشيء منكوسا على رأسه إن كان له رأس ، أو مقلوبا متحولا عن حالة إلى أردأ منها كتحول الطعام والعلف إلى الرجيع والروث ، والمراد هنا تحولهم إلى الغدر والقتال أو إلى الشرك ، وقد استعمل هنا في التحول والانقلاب المعنوي أي : من إظهار الولاء والتحيز إلى المسلمين إلى إظهار التحيز إلى المشركين ، وهو
[ ص: 263 ] شر التحول والارتداد المعنوي ، كأن صاحبه قد نكس على رأسه وصار يمشي على وجهه
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ( 67 : 22 ) ، ومن كانت هذه حاله في ظهور ضلالته في أقبح مظاهرها فلا ينبغي أن يرجو أحد من المؤمنين نصر الحق من قبله ، ولا أن يقع الخلاف بينهم وبين سائر إخوانهم في شأنه .
قَالَ : وَالْمُنَافِقُونَ هُنَا غَيْرُ مَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ آيَاتُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْمُنَافِقِينَ وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْآيَاتِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُنَافِقِينَ هُنَا فَرِيقٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَلَاءَ لَهُمْ وَهُمْ كَاذِبُونَ فِيمَا يُظْهِرُونَ ، ضَلْعُهُمْ مَعَ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَيَحْتَاطُونَ فِي إِظْهَارِ الْوَلَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا رَأَوْا مِنْهُمْ قُوَّةً ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُمْ ضَعْفُهُمُ انْقَلَبُوا عَلَيْهِمْ وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ ، فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمْ عَلَى قِسْمَيْنِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُعَدُّوا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَيُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ الْمُحَادِّينَ لَهُمْ جَهْرًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُعَامِلُوا كَمَا يُعَامِلُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُجَاهِرِينَ بِالْعَدَاوَةِ - وَعِبَارَتُهُ مِمَّنْ لَا يُنَافِقُ - فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=30797_28975وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَيْ : كَيْفَ تَتَفَرَّقُونَ فِي شَأْنِهِمْ ، وَالْحَالُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرْكَسَهُمْ وَصَرَفَهُمْ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِمَا كَسَبُوا مِنْ أَعْمَالِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيهِ نَظَرَ إِنْصَافٍ ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ وَمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ نَظَرَ الْأَعْدَاءِ الْمُبْطِلِينَ ، وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ، انْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ الدَّرْسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا عَنْهُ هُنَا شَيْءٌ آخَرُ .
أَقُولُ : الرَّكْسُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - مَصْدَرُ رَكَسَ الشَّيْءَ يُرْكُسُهُ - بِوَزْنِ نَصَرَ - إِذَا قَلَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رَدَّ آخِرَهُ عَلَى أَوَّلِهِ ، يُقَالُ : رَكَسَهُ وَأَرْكَسَهُ فَارْتَكَسَ ، قَالَ فِي اللِّسَانِ بَعْدَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ ، وَقَالَ
شَمِرٌ : بَلَغَنِي عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الْمَنْكُوسُ وَالْمَرْكُوسُ الْمُدْبِرُ عَنْ حَالِهِ ، وَالرَّكْسُ رَدُّ الشَّيْءِ مَقْلُوبًا اهـ ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرِّكْسِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَهُوَ كَمَا فِي اللِّسَانِ شَبِيهٌ بِالرَّجِيعِ ، وَأُطْلِقَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الرَّوَثِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّكْسَ وَالْإِرْكَاسَ شَرُّ ضُرُوبِ التَّحَوُّلِ وَالِارْتِدَادِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الشَّيْءُ مَنْكُوسًا عَلَى رَأْسِهِ إِنْ كَانَ لَهُ رَأْسٌ ، أَوْ مَقْلُوبًا مُتَحَوِّلًا عَنْ حَالَةٍ إِلَى أَرْدَأَ مِنْهَا كَتَحَوُّلِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ إِلَى الرَّجِيعِ وَالرَّوَثِ ، وَالْمُرَادُ هُنَا تَحَوُّلُهُمْ إِلَى الْغَدْرِ وَالْقِتَالِ أَوْ إِلَى الشِّرْكِ ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي التَّحَوُّلِ وَالِانْقِلَابِ الْمَعْنَوِيِّ أَيْ : مِنْ إِظْهَارِ الْوَلَاءِ وَالتَّحَيُّزِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى إِظْهَارِ التَّحَيُّزِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَهُوَ
[ ص: 263 ] شَرُّ التَّحَوُّلِ وَالِارْتِدَادِ الْمَعْنَوِيِّ ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ نُكِّسَ عَلَى رَأْسِهِ وَصَارَ يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=22أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 67 : 22 ) ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فِي ظُهُورِ ضَلَالَتِهِ فِي أَقْبَحِ مَظَاهِرِهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجُوَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَ الْحَقِّ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَا أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِ إِخْوَانِهِمْ فِي شَأْنِهِ .