الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          إلا عابري سبيل أي : لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا كونكم عابري سبيل أي : مجتازي طريق ، وقيل : إن إلا هنا صفة بمعنى غير ، ولم يلتفت صاحب هذا القول إلى ما اشترطه ابن الحاجب لذلك من تعذر الاستثناء ، ومن قال : إن المراد بالصلاة هنا حقيقتها فسر عابر السبيل هنا بالمسافر ، ومن قال : إن المراد بالصلاة مواضعها ـ أي المساجد ـ فسر بالمجتاز لحاجة ، قاله الأستاذ وغيره ، وقد استدل الشافعية بالآية على جواز مرور الجنب في المسجد إذا كانت له حاجة ، وعلى تحريم المكث فيه عليه ، وقد علمت أن الشافعي يجيز أن يراد بالصلاة هنا حقيقتها ومكانها معا ، وحينئذ يجعل استثناء العبور باعتبار المكان ، وإني لأستبعد التعبير عن السفر بعبور السبيل ، والسفر مذكور في الآية وفي غيرها من الآيات بلفظ السفر ، فالمتعين عندي في العبور ما قاله الشافعية وغيرهم من مفسري السلف وهو بالمرور بالمسجد ; لأنه من قرب الصلاة سواء أريد بها المكان وحده ، أم المكان والحقيقة والمجاز معا أم الحقيقة وحدها ; لأن المكث في المسجد من مقدمات الصلاة ، فالمنع منه يدخل في النهي عن قرب الصلاة ، ويؤيد هذا ما هو معروف من كون بعض جيران المسجد النبوي كان لبيوتهم أبواب ومنافذ من المسجد ، فكانوا يعبرون منه إلى بيوتهم ، وكان كثير من فقراء الصحابة يقيمون في المسجد ، فلما نزلت فهموا منها [ ص: 96 ] ولا بد أن إقامة الجنب في المسجد تعد من قرب الصلاة ، فلو لم يستثن عابري السبيل لكان على أولئك الجيران حرج في إلزامهم ألا يخرجوا من بيوتهم قبل الاغتسال إذا كانوا جنبا ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسد تلك الأبواب والكوى إلا في آخر عمره الشريف ، وقد استثنى خوخة ابن أبي قحافة ( أبي بكر رضي الله عنه ) والخوخة : الكوة والباب الصغير مطلقا ، أو ما كان في الباب الكبير ، بل ورد أن من أقام في المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية