الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قال تعالى : وبذي القربى أي : وأحسنوا بمعاملة ذي القربى وهم أقرب الناس إلى الإنسان بعد الوالدين الذين يلونهما في الحقوق ، وفي سورة البقرة : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى ( 2 : 83 ) ، إلخ ، فأعيد الجار هنا ولم يعد هناك ، قال بعض المفسرين : النكتة في ذلك أن الوصية بذي القربى مؤكدة في هذه الأمة زيادة عن تأكيدها في بني إسرائيل ؛ لأن إعادة الجار للتأكيد ، وعندي أنه يمكن أن تكون إعادة الجار لإفادة التنويع ، فإن الإحسان بالوالدين غير الإحسان بالأقربين ، إذ يجب للوالدين من الرعاية والتكريم والخضوع ما لا يجب لغيرهما ، ومتى ارتقت الشرائع بارتقاء الأمة حسن فيها مثل هذا التحديد والتدقيق في الحدود والواجبات لاستعداد الأمة لها .

                          الأستاذ الإمام : إذا قام الإنسان بحقوق الله تعالى فصحت عقيدته وصلحت أعماله ، وقام بحقوق الوالدين فصلح حالهما وحاله ، تتكون بذلك وحدة البيوت الصغيرة المركبة من الوالدين والأولاد ، وبصلاح هذا البيت الصغير يحدث له قوة ، فإذا عاون أهله البيوت الأخرى التي إلى هذا البيت بالقرابة وعاونته هي أيضا يكون لكل من البيوت المتعاونة قوة كبرى يمكنه أن يحسن بها إلى المحتاجين الذين ليس لهم بيوت تكفيهم مؤنة الحاجة إلى الناس الذين لا يجمعهم بهم النسب ، وهم الذين عطفهم على ذوي القربى بقوله : واليتامى والمساكين ، فإن الله تعالى يوصي باليتامى في مثل هذا المقام ; لأن اليتيم يهمل أمره بفقده الناصر القوي الغيور وهو الأب ، أو تكون تربيته ناقصة بالجهل الذي هو جناية على العقل ، أو فساد الأخلاق الذي هو جناية على النفس ، وهو بجهله وفساد أخلاقه يكون شرا على أولاد الناس يعاشرهم فيسري إليهم فساده ، وقلما تستطيع الأم أن تربي الولد تربية كاملة مهما اتسعت معارفها ، وكذلك المساكين لا تنتظم الهيئة الاجتماعية إلا بالعناية بهم وصلاح حالهم ، فإن أهمل أمرهم الأغنياء كانوا بلاء وويلا على الناس ، وقلما ينظر الناس في المسكنة إلى غير العدم وصفر الكف ، والمهم معرفة سبب ذلك ، فإن من الناس من يكون سبب عدمه وعوزه ضعفه وعجزه عن الكسب ، أو نزول الجوائح السماوية تذهب بماله من غير تقصير منه ، وهذا هو المسكين الحقيقي الذي تجب مواساته بالمال الذي يقع موقعا من كفايته ، ومنهم العادم : الذي ما عدم المال إلا بالإسراف والتبذير والمخيلة والفخفخة الباطلة ، ومنهم العادم : الذي ما عدم المال إلا لكسله وإهماله للكسب طمعا فيما في أيدي الناس واتكالا عليهم ، [ ص: 75 ] أو بسلوكه فيهم مسلك الغش والخيانة حتى يفضح سره ويظهر أمره ، فيحبط عمله ، فالمساكين على ضربين : مسكين معذور يساعد بالمال ينفقه ، أو يساعد على تحصيله بكسبه إن كان قادرا على ذلك ، ومسكين غير معذور يرشد إلى تقصيره ، ولا يساعد على إسرافه وتبذيره ، بل يدل على طرق الكسب ، فإن اتعظ وقبل النصح ، وإلا ترك أمره إلى أولي الأمر ، والله بصير بالعباد ، انتهى بتصرف وزيادة واختصار .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية