الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قال تعالى : وابن السبيل المشهور في تفسيره هنا المسافر والضيف ، وقلنا في تفسير آية : ليس البر ( 2 : 177 ) ، هو المنقطع في السفر لا يتصل بأهل ولا قرابة كأن السبيل أبوه وأمه ورحمه وأهله ، وقال الأستاذ الإمام هنا : إنه من تبناه السبيل في غير معصية ، أي : السائح الرحالة في غرض صحيح غير محرم ، والمتبادر أنه من لا يعرف إلا من الطريق ، أو في الطريق ، وإنما ضيقوا في تفسيره في آية مصارف الصدقات ؛ لأنهم لا يرون كل من عرف في الطريق مستحقا للزكاة ، وأما الإحسان المطلق ، فالأمر فيه أوسع وهو مطلوب دائما في كل شيء ومع كل أحد ، كل شيء بقدره ، وفي الحديث الصحيح : إن الله كتب الإحسان في كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة إلخ ، وهو في كتاب الصيد في صحيح مسلم فيما أذكر ، وإنما جاءت الآية فيمن يتأكد الإحسان بهم ، والضيف والمسافر منهم وإن لم يكونا مستحقين للزكاة ، والأمر بالإحسان بابن السبيل يتضمن الترغيب في السياحة والإعانة عليها ، وقد أهملها المسلمون في هذه العصور إلا قليلا خيره أقل ، وذكرت في هامش تفسيره هذه الكلمة من آية ليس البر في الجزء الثاني : أن اللقيط يوشك أن يدخل في معنى " ابن السبيل " ، واختار بعض أذكياء المعاصرين في رسالة له أن هذا هو المعنى المراد ، واللفظ يتسع للقيط ولا سيما في باب الإحسان ما لا يتسع لغيره ، وهو أولى وأجدر من اليتيم بما ذكرنا من الحكمة والفقه في الأمر بالإحسان به ، وإنما غفل جماهير [ ص: 77 ] المفسرين عن ذكره لندرة اللقطاء في زمن المتقدمين منهم ، ولا حظ للمتأخرين منهم من التأليف إلا النقل عنهم ; لأنهم في الغالب قد حرموا على أنفسهم الاستقلال في الفهم ؛ لئلا يكون من الاجتهاد الذي تواطئوا على القول بإقفال بابه ، وانقراض أربابه ، والرضى باستبدال الجهل به ، فإن غير المستقل بفهم الشيء لا يسمى عالما به كما هو بديهي ، وعليه إجماع علماء السلف .

                          وقد كثر في هذه الأزمنة اللقطاء ، ولولا عناية الجمعيات الدينية من الأوروبيين بجمعهم وتربيتهم وتعليمهم لكان شرهم في البلاد مستطيرا ، فلله در هؤلاء الأوربيين ما أشد عنايتهم بدينهم ، ونفع الناس به بحسب اجتهادهم واستطاعتهم ، ويا لله ما أشد غفلة المسلمين وجهل جماهيرهم بأنفسهم ، وبغيرهم ، فإنهم يزعمون أنهم أشد من الإفرنج عناية بدينهم وغيرة عليهم وعملا به ، بل يزعمون أن الإفرنج قد تركوا الدين ألبتة ، يستنبطون هذه النتيجة من بعض أحرارهم الغالين ، الذين يلقونهم فيسمعون منهم كلم الإلحاد ، أو من السياسيين منهم الذين يزلزلون ثقتنا بالدين لما يجهل أكثرنا من المقاصد والأغراض ، ونحن أحق الناس بتربية اللقطاء ، وجميع أنواع البر والإحسان .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية