nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما .
تقدم أن الكلام كان من أول السورة إلى ما قبل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28975واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ( 4 : 36 ) ، في الأحكام المتعلقة بالنساء واليتامى والقرابة ، ومن آية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله إلى آخر ما تقدم تفسيره في أحكام عامة أكثرها في أصول الدين وأحوال أهل الكتاب والمنافقين والقتال ، وقد جاءت هذه الآيات بعد ذلك في أحكام النساء فهي من جنس الأحكام التي في أول السورة ، ولعل الحكمة في وضعها ها هنا تأخر نزولها إلى أن شعر الناس بعد العمل بتلك الآيات بالحاجة إلى زيادة البيان في تلك الأحكام ، فإنهم كانوا يهضمون حقوق الضعيفين المرأة واليتيم كما تقدم ، فأوجبت عليهم تلك الآيات
[ ص: 361 ] مراعاتها وحفظها وبينتها لهم ، وجعلت
nindex.php?page=treesubj&link=28642_17940للنساء حقوقا ثابتة مؤكدة في المهر والإرث كالرجال وحرمت ظلمهن ، وتعدد الزوجات منهن ، مع الخوف من عدم العدل بينهن ، وحددت العدد الذي يحل منهن في حال عدم الخوف من الظلم ، فبعد تلك الأحكام عرف النساء حقوقهن ، وأن الإسلام منع الرجال الأقوياء أن يظلموهن ، فكان من المتوقع بعد الشروع في العمل بتلك الأحكام أن يعرف الرجال شدة التبعة التي عليهم في معاملة النساء ، وأن يقع لهم الاشتباه في بعض الوقائع المتعلقة بها ، كأن تحدث بعضهم نفسه بأن يحل له أو لا يحل أن يمنع اليتيمة ما كتب الله لها من الإرث وهو يرغب أن ينكحها ، ويشتبه بعضهم فيما يصالح امرأته عليه إذا أرادت أن تفتدي منه ، ويضطرب بعضهم في حقيقة
nindex.php?page=treesubj&link=11355_17947العدل الواجب بين النساء ، هل يدخل فيه العدل في الحب أو في لوازمه العملية الطبيعية من زيادة الإقبال على المحبوبة والتبسط في الاستمتاع بها أم لا ؟ كل هذا مما تشتد الحاجة إلى معرفته بعد العمل بتلك الأحكام ، فهو مما كان يكون موضع السؤال والاستفتاء ; فلهذا جاء بهذه الآيات بعد طائفة من الآيات وطائفة من الزمان ، وقد علمنا من سنة القرآن عدم جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد في سياق واحد ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18620المقصد الأول من القرآن هو الهداية بأن تكون تلاوته عظة وذكرى وعبرة ينمى بها الإيمان والمعرفة بالله عز وجل ، وبسنته في خلقه ، وحكمته في عبادته ، ويقوي بها شعور التعظيم والحب له ، وتزيد الرغبة في الخير والحرص على التزام الحق ، ولو طال سرد الآيات في موضع واحد ، ولا سيما موضوع أحكام المعاملات البشرية ، لمل القارئ لها في الصلاة وغير الصلاة ، أو غلب على قلبه التفكر في جزئياتها ووقائعها ، فيفوت بذلك المقصد الأول ، والمطلوب الذي عليه المعول ، وحسب طلاب الأحكام المفصلة فيه أن يرجعوا إليها عند الحاجة في الآيات المتفرقة ، والسور المتعددة ، ولا يجعلوها هي الأصل المقصود من التلاوة في الصلاة وللتعبد في غير الصلاة ، فإن الأصل الأول هو ما علمت .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28861قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء ، فمعناه يطلبون منك أيها الرسول الفتيا في شأنهن ، وبيان المشكل والغامض عليهم في أحكامهن ، من حيث الحقول المالية والزواج لأجلها والنشوز والخصام والصلح والعدل والعشرة والفراق ، ويدل على ذلك كله الجواب في الآيات الأربع ، وهو من إيجاز القرآن البديع ، وغفل عن هذا من قال : إن المراد " يستفتونك في ميراثهن " ، لما روي في سبب نزولها من
أن عيينة بن حصن قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : بلغنا أنك تعطي البنت والأخت النصف وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة فقال - صلى الله عليه وسلم - : بذلك أمرت ، فيا لله للعجب ! كيف يغفل أمثال هؤلاء الأذكياء بمثل هذه الرواية عما تدل عليه الآيات الواردة في موضوع واحد هو استفتاء وفتوى فيقطعونها إربا إربا ، ويجعلونها جذاذا وأفلاذا لا صلة بينها ، ولا جامعة تضمها ؟
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من طريق
الكلبي عن
أبي صالح أن الآية نزلت في بنات
أم [ ص: 362 ] كحة وميراثهن عن أبيهن ، وعن
عائشة أنها نزلت في
nindex.php?page=treesubj&link=33318اليتيمة تكون في حجر الرجل ، وهو وليها فيرغب في نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال بأقل من مهر مثلها ، وإذا كان مرغوبا عنها لقلة مالها وجمالها تركها ، وفي رواية هي اليتيمة تكون في حجر الرجل وقد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها لدمامتها ، ويكره أن يزوجها غيره حتى لا يذهب بمالها ، فيحبسها حتى تموت فيرثها ، فنهاهم الله عن ذلك ، وقد تقدم هذا في أول السورة .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قل الله يفتيكم فيهن ، بما ينزله من الآيات في أحكامهن بعد هذا الاستفتاء
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان ، أي : ويفتيكم في شأنهن ما يتلى عليكم في الكتاب مما نزل قبل هذا الاستفتاء في أحكام معاملة يتامى النساء اللاتي جرت عادتكم ألا تعطوهن ما كتب لهن من الإرث إذا كان في أيديكم لولايتكم عليهن ، وترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن والتمتع بأموالهن ، أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن ، فلا تنكحونهن ، ولا تنكحونهن لغيركم ليبقى مالهن في أيديكم ، وما يتلى عليكم أيضا في شأن المستضعفين من الولدان الذين لا تعطونهم حقهم من الميراث ، والمراد بهذا الذي يتلى عليهم في الضعيفين المرأة واليتيم هو ما تقدم من الآيات في أول السورة من الآية الأولى وما بعدها في آخر آيات الفرائض يذكرهم الله تعالى بتلك الآيات المفصلة أن يتدبروها ويتأملوا معانيها ويعملوا بها ، وذلك أن من طباع البشر أن يغفلوا أو يتغافلوا عن دقائق الأحكام والعظات التي يراد بها إرجاعهم عن أهوائهم ، وإذا توهموا أن شيئا منها غير قطعي ، وأنهم بالاستفتاء عنه ربما يفتون بما فيه التخفيف عنهم ، وموافقة رغبتهم ، لجئوا إلى ذلك واستفتوا ، وقد أشرنا في أول تفسير الآية إلى أن معنى الإفتاء بيان دقائق الأمور وما يخفى منها ، وقيل إن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم ، معطوف على ضمير فيهن ، المجرور أي : ويفتيكم أيضا فيما يتلى عليكم من الآيات التي نزلت في الأحكام التي تستفتون عنها الآن ، فيبين لكم أنها أحكام محكمة لا هوادة فيها ، فلا يحل لكم من الأحوال أن تظلموا النساء وأمثالهن من المستضعفين لصغرهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=130وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا .
تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى مَا قَبْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28975وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ( 4 : 36 ) ، فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْقَرَابَةِ ، وَمِنْ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي أَحْكَامٍ عَامَّةٍ أَكْثَرُهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأَحْوَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْقِتَالِ ، وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي وَضْعِهَا هَا هُنَا تَأَخُّرُ نُزُولِهَا إِلَى أَنْ شَعَرَ النَّاسُ بَعْدَ الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْآيَاتِ بِالْحَاجَةِ إِلَى زِيَادَةِ الْبَيَانِ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهْضِمُونَ حُقُوقَ الضَّعِيفَيْنِ الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَأَوْجَبَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْآيَاتُ
[ ص: 361 ] مُرَاعَاتَهَا وَحِفْظَهَا وَبَيَّنَتْهَا لَهُمْ ، وَجَعَلَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28642_17940لِلنِّسَاءِ حُقُوقًا ثَابِتَةً مُؤَكَّدَةً فِي الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ كَالرِّجَالِ وَحَرَّمَتْ ظُلْمَهُنَّ ، وَتَعَدُّدَ الزَّوْجَاتِ مِنْهُنَّ ، مَعَ الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ ، وَحَدَّدَتِ الْعَدَدَ الَّذِي يَحِلُّ مِنْهُنَّ فِي حَالِ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنَ الظُّلْمِ ، فَبَعْدَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ عَرَفَ النِّسَاءُ حُقُوقَهُنَّ ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ مَنَعَ الرِّجَالَ الْأَقْوِيَاءَ أَنْ يَظْلِمُوهُنَّ ، فَكَانَ مِنَ الْمُتَوَقَّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ أَنْ يَعْرِفَ الرِّجَالُ شِدَّةَ التَّبِعَةِ الَّتِي عَلَيْهِمْ فِي مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ ، وَأَنْ يَقَعَ لَهُمُ الِاشْتِبَاهُ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا ، كَأَنْ تُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَحِلَّ لَهُ أَوْ لَا يَحِلَّ أَنْ يَمْنَعَ الْيَتِيمَةَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا مِنَ الْإِرْثِ وَهُوَ يَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا ، وَيَشْتَبِهُ بَعْضُهُمْ فِيمَا يُصَالِحُ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ ، وَيَضْطَرِبُ بَعْضُهُمْ فِي حَقِيقَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=11355_17947الْعَدْلِ الْوَاجِبِ بَيْنَ النِّسَاءِ ، هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَدْلُ فِي الْحُبِّ أَوْ فِي لَوَازِمِهِ الْعَمَلِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْمَحْبُوبَةِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَمْ لَا ؟ كُلُّ هَذَا مِمَّا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ ، فَهُوَ مِمَّا كَانَ يَكُونُ مَوْضِعَ السُّؤَالِ وَالِاسْتِفْتَاءِ ; فَلِهَذَا جَاءَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بَعْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْآيَاتِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الزَّمَانِ ، وَقَدْ عَلِمْنَا مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ عَدَمَ جَمْعِ الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18620الْمَقْصِدَ الْأَوَّلَ مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ الْهِدَايَةُ بِأَنْ تَكُونَ تِلَاوَتُهُ عِظَةً وَذِكْرَى وَعِبْرَةً يُنَمَّى بِهَا الْإِيمَانُ وَالْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبِسُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ ، وَحِكْمَتِهِ فِي عِبَادَتِهِ ، وَيُقَوَّي بِهَا شُعُورُ التَّعْظِيمِ وَالْحُبِّ لَهُ ، وَتَزِيدُ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْتِزَامِ الْحَقِّ ، وَلَوْ طَالَ سَرْدُ الْآيَاتِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَلَا سِيَّمَا مَوْضُوعُ أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ الْبَشَرِيَّةِ ، لَمَلَّ الْقَارِئُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ ، أَوْ غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ التَّفَكُّرُ فِي جُزْئِيَّاتِهَا وَوَقَائِعِهَا ، فَيَفُوتُ بِذَلِكَ الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ ، وَالْمَطْلُوبُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ ، وَحَسْبُ طُلَّابِ الْأَحْكَامِ الْمُفَصَّلَةِ فِيهِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ ، وَالسُّوَرِ الْمُتَعَدِّدَةِ ، وَلَا يَجْعَلُوهَا هِيَ الْأَصْلَ الْمَقْصُودَ مِنَ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلِلتَّعَبُّدِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ هُوَ مَا عَلِمْتَ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28861قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ، فَمَعْنَاهُ يَطْلُبُونَ مِنْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ الْفُتْيَا فِي شَأْنِهِنَّ ، وَبَيَانِ الْمُشْكَلِ وَالْغَامِضِ عَلَيْهِمْ فِي أَحْكَامِهِنَّ ، مِنْ حَيْثُ الْحُقُولُ الْمَالِيَّةُ وَالزَّوَاجُ لِأَجْلِهَا وَالنُّشُوزُ وَالْخِصَامُ وَالصُّلْحُ وَالْعَدْلُ وَالْعِشْرَةُ وَالْفِرَاقُ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَوَابُ فِي الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ ، وَهُوَ مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْبَدِيعِ ، وَغَفَلَ عَنْ هَذَا مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ " يَسْتَفْتُونَكَ فِي مِيرَاثِهِنَّ " ، لِمَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مِنْ
أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : بَلَغَنَا أَنَّكَ تُعْطِي الْبِنْتَ وَالْأُخْتَ النِّصْفَ وَإِنَّمَا كُنَّا نُوَرِّثُ مَنْ يَشْهَدُ الْقِتَالَ وَيَحُوزُ الْغَنِيمَةَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : بِذَلِكَ أُمِرْتُ ، فَيَا لَلَّهِ لِلْعَجَبِ ! كَيْفَ يَغْفُلُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الْأَذْكِيَاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَمَّا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ هُوَ اسْتِفْتَاءٌ وَفَتْوَى فَيُقَطِّعُونَهَا إِرْبًا إِرْبًا ، وَيَجْعَلُونَهَا جِذَاذًا وَأَفْلَاذًا لَا صِلَةَ بَيْنَهَا ، وَلَا جَامِعَةَ تَضُمُّهَا ؟
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنَاتٍ
أُمِّ [ ص: 362 ] كُحَّةَ وَمِيرَاثِهِنَّ عَنْ أَبِيهِنَّ ، وَعَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33318الْيَتِيمَةِ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ ، وَهُوَ وَلِيُّهَا فَيَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جِمَالٍ وَمَالٍ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَإِذَا كَانَ مَرْغُوبًا عَنْهَا لِقِلَّةِ مَالِهَا وَجِمَالِهَا تَرَكَهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ وَقَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِدَمَامَتِهَا ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ حَتَّى لَا يَذْهَبَ بِمَالِهَا ، فَيَحْبِسُهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ، بِمَا يُنَزِّلُهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَحْكَامِهِنَّ بَعْدَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ، أَيْ : وَيُفْتِيكُمْ فِي شَأْنِهِنَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ مِمَّا نَزَلَ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ فِي أَحْكَامِ مُعَامَلَةِ يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي جَرَتْ عَادَتُكُمْ أَلَّا تُعْطُوهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ مِنَ الْإِرْثِ إِذَا كَانَ فِي أَيْدِيكُمْ لِوِلَايَتِكُمْ عَلَيْهِنَّ ، وَتَرْغَبُونَ فِي أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِجَمَالِهِنَّ وَالتَّمَتُّعِ بِأَمْوَالِهِنَّ ، أَوْ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِدَمَامَتِهِنَّ ، فَلَا تَنْكِحُونَهُنَّ ، وَلَا تُنْكِحُونَهُنَّ لِغَيْرِكُمْ لِيَبْقَى مَالُهُنَّ فِي أَيْدِيكُمْ ، وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَيْضًا فِي شَأْنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ لَا تُعْطُونَهُمْ حَقَّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا فِي آخِرِ آيَاتِ الْفَرَائِضِ يُذَكِّرُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِتِلْكَ الْآيَاتِ الْمُفَصَّلَةِ أَنْ يَتَدَبَّرُوهَا وَيَتَأَمَّلُوا مَعَانِيَهَا وَيَعْمَلُوا بِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَتَغَافَلُوا عَنْ دَقَائِقِ الْأَحْكَامِ وَالْعِظَاتِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا إِرْجَاعُهُمْ عَنْ أَهْوَائِهِمْ ، وَإِذَا تَوَهَّمُوا أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرَ قَطْعِيٍّ ، وَأَنَّهُمْ بِالِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ رُبَّمَا يُفْتُونَ بِمَا فِيهِ التَّخْفِيفُ عَنْهُمْ ، وَمُوَافَقَةُ رَغْبَتِهِمْ ، لَجَئُوا إِلَى ذَلِكَ وَاسْتَفْتَوْا ، وَقَدْ أَشَرْنَا فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِفْتَاءِ بَيَانُ دَقَائِقِ الْأُمُورِ وَمَا يَخْفَى مِنْهَا ، وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ، مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرِ فِيهِنَّ ، الْمَجْرُورِ أَيْ : وَيُفْتِيكُمْ أَيْضًا فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَسْتَفْتُونَ عَنْهَا الْآنَ ، فَيُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّهَا أَحْكَامٌ مُحْكَمَةٌ لَا هَوَادَةَ فِيهَا ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ أَنْ تَظْلِمُوا النِّسَاءَ وَأَمْثَالَهُنَّ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ لِصِغَرِهِمْ .