[ ص: 15 ] النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده
nindex.php?page=treesubj&link=21272المطلق : الدال على الماهية بلا قيد وهو مع القيد كالعام مع الخاص . قال العلماء : متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا ، بل يبقى المطلق على إطلاقه ، والمقيد على تقييده ؛ لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب .
والضابط أن الله إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا ، نظر : فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به ، وإن كان له أصل يرد إليه غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر .
فالأول : مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [ المائدة : 106 ] .
وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وأشهدوا إذا تبايعتم [ البقرة : 282 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم [ النساء : 6 ] ، والعدالة شرط في الجميع .
ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12من بعد وصية يوصين بها أو دين [ النساء : 12 ] ، وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه ، وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين ، وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة وإطلاقها في كفارة الظهار واليمين والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة .
وكذلك تقييد الأيدي بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إلى المرافق [ المائدة : 6 ] في الوضوء وإطلاقه في التيمم .
[ ص: 16 ] وتقييد إحباط العمل بالردة بالموت على الكفر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر [ البقرة : 217 ] الآية ، وأطلق في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله [ المائدة : 5 ] ، وتقييد تحريم الدم بالمسفوح في الأنعام وأطلق فيما عداها .
فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حمل المطلق على المقيد في الجميع .
ومن العلماء من لا يحمله ، ويجوز إعتاق الكافر في كفارة الظهار واليمين ، ويكتفي في التيمم بالمسح إلى الكوعين ، ويقول : إن الردة تحبط العمل بمجردها .
والثاني : مثل تقييد الصوم بالتتابع في كفارة القتل والظهار ، وتقييده بالتفريق في صوم التمتع ، وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان ، فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرقا ومتتابعا ، لا يمكن حمله عليهما لتنافي القيدين ، وهما التفريق والتتابع ولا على أحدهما لعدم المرجح .
تنبيهات :
الأول : إذا قلنا :
nindex.php?page=treesubj&link=21281بحمل المطلق على المقيد ، فهل هو من وضع اللغة أو بالقياس ؟ مذهبان :
وجه الأول أن العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد ، وطلبا للإيجاز والاختصار .
الثاني : ما تقدم محله إذا كان الحكمان بمعنى واحد .
وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد . فأما إذا حكم في شيء بأمور ثم في آخر ببعضها ، وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضي الإلحاق ؛ كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء ، وذكر في التيمم عضوين ، فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا ، وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفارة الظهار ، واقتصر في كفارة القتل على الأولين ، ولم يذكر الإطعام . فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام .
[ ص: 15 ] النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي مُطْلَقِهِ وَمُقَيَّدِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=21272الْمُطْلَقُ : الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ وَهُوَ مَعَ الْقَيْدِ كَالْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَتَى وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ صُيِّرَ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا ، بَلْ يَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَنَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ .
وَالضَّابِطُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ ثُمَّ وَرَدَ حُكْمٌ آخَرُ مُطْلَقًا ، نُظِرَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إِلَيْهِ إِلَّا ذَلِكَ الْحُكْمَ الْمُقَيَّدَ وَجَبَ تَقْيِيدُهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إِلَيْهِ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ رَدُّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ .
فَالْأَوَّلُ : مِثْلَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الشُّهُودِ عَلَى الرَّجْعَةِ وَالْفِرَاقِ وَالْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [ الطَّلَاقِ : 2 ] ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 106 ] .
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [ الْبَقَرَةِ : 282 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [ النِّسَاءِ : 6 ] ، وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي الْجَمِيعِ .
وَمِثْلُ تَقْيِيدِهِ مِيرَاثُ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [ النِّسَاءِ : 12 ] ، وَإِطْلَاقُهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا أَطْلَقَ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ مَا أَطْلَقَ مِنَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَطَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْمُطْلَقُ كَالْمُقَيَّدِ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ .
وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الْأَيْدِي بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِلَى الْمَرَافِقِ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] فِي الْوُضُوءِ وَإِطْلَاقُهُ فِي التَّيَمُّمِ .
[ ص: 16 ] وَتَقْيِيدُ إِحْبَاطِ الْعَمَلِ بِالرِّدَّةِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [ الْبَقَرَةِ : 217 ] الْآيَةَ ، وَأُطْلِقَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [ الْمَائِدَةِ : 5 ] ، وَتَقْيِيدُ تَحْرِيمِ الدَّمِ بِالْمَسْفُوحِ فِي الْأَنْعَامِ وَأُطْلِقَ فِيمَا عَدَاهَا .
فَمَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ حَمُلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْجَمِيعِ .
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يَحْمِلُهُ ، وَيُجَوِّزُ إِعْتَاقَ الْكَافِرِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ ، وَيَكْتَفِي فِي التَّيَمُّمِ بِالْمَسْحِ إِلَى الْكُوعَيْنِ ، وَيَقُولُ : إِنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ بِمُجَرَّدِهَا .
وَالثَّانِي : مِثْلُ تَقْيِيدِ الصَّوْمِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ ، وَتَقْيِيدِهِ بِالتَّفْرِيقِ فِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ ، وَأَطْلَقَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ ، فَيَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ مِنْ جَوَازِهِ مُفَرَّقًا وَمُتَتَابِعًا ، لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا لِتَنَافِي الْقَيْدَيْنِ ، وَهُمَا التَّفْرِيقُ وَالتَّتَابُعُ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ .
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ : إِذَا قُلْنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=21281بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، فَهَلْ هُوَ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ أَوْ بِالْقِيَاسِ ؟ مَذْهَبَانِ :
وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَرَبَ مِنْ مَذْهَبِهَا اسْتِحْبَابُ الْإِطْلَاقِ اكْتِفَاءً بِالْمُقَيَّدِ ، وَطَلَبًا لِلْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ .
الثَّانِي : مَا تَقَدَّمَ مَحَلُّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ . فَأَمَّا إِذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ بِأُمُورٍ ثُمَّ فِي آخِرَ بِبَعْضِهَا ، وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ بَعْضِهَا فَلَا يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ ؛ كَالْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ ، وَذَكَرَ فِي التَّيَمُّمِ عُضْوَيْنِ ، فَلَا يُقَالُ بِالْحَمْلِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتُّرَابِ فِيهِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْعِتْقَ وَالصَّوْمَ وَالْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَاقْتَصَرَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِطْعَامَ . فَلَا يُقَالُ بِالْحَمْلِ وَإِبْدَالِ الصِّيَامِ بِالطَّعَامِ .