[ ص: 20 ] النوع الحادي والخمسون في وجود مخاطباته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي في كتابه النفيس :
nindex.php?page=treesubj&link=20766الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجها .
وقال غيره : على أكثر من ثلاثين وجها .
أحدها خطاب العام والمراد به العموم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54الله الذي خلقكم [ الروم : 54 ] .
والثاني : خطاب الخاص والمراد به الخصوص كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أكفرتم بعد إيمانكم [ آل عمران : 106 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67ياأيها الرسول بلغ [ المائدة : 67 ] .
الثالث : خطاب العام والمراد به الخصوص كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1ياأيها الناس اتقوا ربكم [ الحج : 1 ] ، لم يدخل فيه الأطفال والمجانين .
الرابع : خطاب الخاص والمراد العموم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ياأيها النبي إذا طلقتم النساء [ الطلاق : 1 ] ، افتتح الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك [ الأحزاب : 50 ] ، الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي : كان ابتداء الخطاب له فلما قال في الموهوبة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50خالصة لك [ الأحزاب : 50 ] علم أن ما قبلها له ولغيره .
الخامس : خطاب الجنس كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64ياأيها النبي
السادس : خطاب النوع : نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يابني إسرائيل
السابع : خطاب العين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وقلنا ياآدم اسكن [ البقرة : 65 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48يانوح اهبط [ هود : 48 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104ياإبراهيم قد صدقت [ الصافات : 104 ، 105 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10ياموسى لا تخف [ النمل : 10 ] .
[ ص: 21 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55ياعيسى إني متوفيك [ آل عمران : 55 ] ، ولم يقع في القرآن الخطاب بيا
محمد بل يا أيها النبي ، يا أيها الرسول ؛ تعظيما له وتشريفا وتخصيصا بذلك عما سواه ، وتعليما للمؤمنين أن لا ينادوه باسمه .
الثامن : خطاب المدح ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104ياأيها الذين آمنوا [ البقرة : 104 ] ، ولهذا وقع الخطاب
بأهل المدينة nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=74والذين آمنوا وهاجروا [ الأنفال : 74 ] .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
خيثمة قال : ما تقرءون في القرآن يا أيها الذين آمنوا وأخرج
البيهقي وأبو عبيد 30 فإنه في التوراة : يا أيها المساكين .
وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إذا سمعت الله يقول : يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإنه خير يؤمر به أو شر ينهى عنه .
التاسع : خطاب الذم ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم [ التحريم : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل ياأيها الكافرون [ الكافرون : 1 ] ، ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين ، وأكثر الخطاب ب ( يا أيها الذين آمنوا ) على المواجهة ، وفي جانب الكفار جيء بلفظ الغيبة إعراضا عنهم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا [ البقرة : 6 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا [ الأنفال : 38 ] .
العاشر : خطاب الكرامة كقوله : يا أيها النبي يا أيها الرسول قال بعضهم : ونجد الخطاب بالنبي في محل لا يليق به الرسول ، وكذا عكسه في الأمر بالتشريع العام
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ المائدة : 67 ] ، ، وفي مقام الخاص
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] ، قال : وقد يعبر بالنبي في مقام التشريع العام لكن مع قرينة إرادة العموم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ياأيها النبي إذا طلقتم [ الطلاق : 1 ] ، ولم يقل : طلقت .
الحادي عشر : خطاب الإهانة ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=34فإنك رجيم [ الحجر : 34 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=108اخسئوا فيها ولا تكلمون [ المؤمنون : 108 ] .
[ ص: 22 ] الثاني عشر : خطاب التهكم ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذق إنك أنت العزيز الكريم [ الدخان : 49 ] .
الثالث عشر : خطاب الجمع بلفظ الواحد ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم [ الانفطار : 6 ] .
الرابع عشر : خطاب الواحد بلفظ الجمع ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51ياأيها الرسل كلوا من الطيبات [ المؤمنون : 51 ] ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم [ المؤمنون : 54 ] ، فهو خطاب له صلى الله عليه وسلم وحده ؛ إذ لا نبي معه ولا بعده ، وكذا قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا الآية [ النحل : 126 ] خطاب له صلى الله عليه وسلم وحده بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127واصبر وما صبرك إلا بالله الآية [ النحل : 127 ] ، وكذا قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا [ هود : 14 ] ، بدليل قوله : قل فأتوا . وجعل منه بعضهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قال رب ارجعون [ المؤمنون : 99 ] ؛ أي : ارجعني . وقيل : رب خطاب له تعالى ، وارجعون للملائكة .
وقال
السهيلي : هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب ، فاختلط فلا يدري ما يقول من الشطط ، وقد اعتاد أمرا يقوله في الحياة من رد الأمر إلى المخلوقين .
الخامس عشر : خطاب الواحد بلفظ الاثنين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24ألقيا في جهنم [ ق : 24 ] ، والخطاب
لمالك خازن النار ، وقيل : لخزنة النار والزبانية فيكون من خطاب الجمع بلفظ الاثنين . وقيل : للملكين الموكلين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد [ ق : 21 ] ، فيكون على الأصل .
وجعل
المهدوي من هذا النوع قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=89قد أجيبت دعوتكما [ يونس : 89 ] ، قال : الخطاب
لموسى وحده ؛ لأنه الداعي وقيل : لهما لأن
هارون أمن على دعائه والمؤمن
[ ص: 23 ] أحد الداعيين .
السادس عشر : خطاب الاثنين بلفظ واحد كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فمن ربكما ياموسى [ طه : 49 ] ؛ أي : ويا
هارون وفيه وجهان : أحدهما أنه أفرده بالنداء لإدلاله عليه بالتربية .
والآخر : لأنه صاحب الرسالة والآيات ،
وهارون تبع له ، ذكره
ابن عطية .
وذكر في الكشاف آخر : وهو أن
هارون لما كان أفصح من
موسى نكب
فرعون عن خطابه حذرا من لسانه . ومثله
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى [ طه : 177 ] ، قال
ابن عطية : أفرده بالشقاء لأنه المخاطب أولا والمقصود في الكلام .
وقيل : لأن الله جعل الشقاء في معيشة الدنيا في جانب الرجال .
وقيل : إغضاء عن ذكر المرأة كما قيل : من الكرم ستر الحرم .
السابع عشر : خطاب الاثنين بلفظ الجمع كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وقلنا ياآدم اسكن [ يونس : 87 ] .
الثامن عشر : خطاب الجمع بلفظ الاثنين كما تقدم في :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24ألقيا [ ق : 24 ] .
التاسع عشر : خطاب الجمع بعد الواحد كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل [ يونس : 61 ] ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : جمع في الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1ياأيها النبي إذا طلقتم النساء [ الطلاق : 1 ] .
العشرون : عكسه ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة [ البقرة : 43 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=87وبشر المؤمنين [ يونس : 87 ] .
الحادي والعشرون : خطاب الاثنين بعد الواحد ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=78أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض [ يونس : 78 ] .
[ ص: 24 ] الثاني والعشرون : عكسه ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فمن ربكما ياموسى [ طه : 49 ] .
الثالث والعشرون : خطاب العين والمراد به الغير ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين [ الأحزاب : 1 ] . الخطاب له والمراد أمته ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان تقيا وحاشاه من طاعة الكفار .
ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب الآية [ يونس : 94 ] .
حاشاه صلى الله عليه وسلم من الشك وإنما المراد بالخطاب التعريض بالكفار .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذه الآية قال : لم يشك صلى الله عليه وسلم ولم يسأل ، ومثله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا [ الزخرف : 45 ] الآية .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين [ الأنعام : 35 ] ، وأنحاء ذلك .
الرابع والعشرون : خطاب الغير والمراد به العين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم [ الأنبياء : 10 ] .
الخامس والعشرون : الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطب معين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18ألم تر أن الله يسجد له [ الحج : 18 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27ولو ترى إذ وقفوا على النار [ الأنعام : 27 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم [ السجدة : 12 ] لم يقصد بذلك خطاب معين بل كل أحد ، وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم ، يريد أن حالهم تناهت في الظهور بحيث لا يختص بها راء دون راء ، بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب .
السادس والعشرون : خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فإن لم يستجيبوا لكم [ هود : 14 ] ، خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للكفار :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فاعلموا أنما أنزل بعلم الله [ هود : 14 ] ، بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فهل أنتم مسلمون [ هود : 14 ] ، ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=8إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا [ الفتح : 8 ] ، إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9لتؤمنوا [ الفتح : 9 ] في من قرأ بالفوقية .
السابع والعشرون : خطاب التلوين وهو الالتفات .
الثامن والعشرون : خطاب الجمادات خطاب من يعقل ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها [ فصلت : 11 ] .
[ ص: 25 ] التاسع والعشرون : خطاب التهييج ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين [ المائدة : 23 ] .
الثلاثون : خطاب التحنن والاستعطاف ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل ياعبادي الذين أسرفوا [ الزمر : 53 ] . .
الحادي والثلاثون : خطاب التحبب ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42ياأبت لم تعبد [ مريم : 42 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يابني إنها إن تك [ لقمان : 16 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94ياابن أم لا تأخذ بلحيتي [ طه : 94 ] .
الثاني والثلاثون : خطاب التعجيز ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة [ البقرة : 23 ] .
الثالث والثلاثون : خطاب التشريف وهو كل ما في القرآن مخاطبة ب ( قل ) فإنه تشريف منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة .
الرابع والثلاثون : خطاب المعدوم ويصح ذلك تبعا لموجود ، نحو : يا بني آدم فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل من بعدهم .
فائدة :
قال بعضهم : خطاب القرآن ثلاثة أقسام : قسم لا يصلح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقسم لا يصلح إلا لغيره ، وقسم لهما .
فائدة :
قال
ابن القيم : تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيده ، ومصدرها منه وموردها إليه ، مستويا على العرش لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته ، عالما بما في نفوس عبيده ، مطلعا على أسرارهم وعلانيتهم ، منفردا بتدبير المملكة ، يسمع ويرى ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها
[ ص: 26 ] وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه .
فتأمل كيف تجده يثني على نفسه ، ويمجد نفسه ، ويحمد نفسه ، وينصح عباده ، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ، ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم ، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته ، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه ، يذكرهم بنعمه عليهم ، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها ، ويحذرهم من نقمه ، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ، ويذم أعداءه بسيئ أعمالهم وقبيح صفاتهم ، ويضرب الأمثال ، وينوع الأدلة والبراهين ، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة ، ويصدق الصادق ، ويكذب الكاذب ، ويقول الحق ويهدي السبيل ويدعو إلى دار السلام ، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها ، ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وآلامها ، ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه ، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ، ويذكرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات ، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه ، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته ، ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته ، وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب ، وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم ، وغافر ذلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم ، والدافع عنهم والمحامي عنهم ، والناصر لهم والكفيل بمصالحهم ، والمنجي لهم من كل كرب ، والموفي لهم بوعده ، وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه ، فهو مولاهم الحق وينصرهم على عدوهم فنعم المولى ونعم النصير .
وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما ، جوادا رحيما جميلا ، هذا شأنه فكيف لا تحبه وتنافس في القرب منه ، وتنفق أنفاسها في التودد إليه ، ويكون أحب إليها من كل ما سواه ، ورضاه آثر عندها من رضا كل من سواه ! وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها ، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها .
فائدة :
قال بعض الأقدمين : أنزل القرآن على ثلاثين نحوا ، كل نحو منه غير صاحبه ، فمن عرف وجوهها ثم تكلم في الدين أصاب ووفق ، ومن لم يعرف وتكلم في الدين كان الخطأ إليه أقرب ، وهي : المكي والمدني ، والناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والتقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والسبب والإضمار ، والخاص والعام ، والأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والحدود والأحكام ، والخبر والاستفهام
[ ص: 27 ] والأبهة ، والحروف المصرفة ، والإعذار والإنذار ، والحجة والاحتجاج ، والمواعظ والأمثال والقسم .
قال : فالمكي مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=10واهجرهم هجرا جميلا [ المزمل : 10 ] ، والمدني مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله [ البقرة : 190 ] ، والناسخ والمنسوخ واضح .
والمحكم مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية [ النساء : 93 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء : 10 ] ، ونحوه مما أحكمه الله وبينه .
والمتشابه مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية [ النور : 27 ] ، ولم يقل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا [ النساء : 30 ] ، كما قال في المحكم ، وقد ناداهم في هذه الآية بالإيمان ونهاهم عن المعصية ولم يجعل فيها وعيدا فاشتبه على أهلها ما يفعل الله بهم .
والتقديم والتأخير مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة : 180 ] ، التقدير : كتب عليكم الوصية إذا حضر أحدكم الموت .
والمقطوع والموصول مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة [ القيامة : 1 ] ، ف ( لا ) مقطوع من أقسم وإنما هو في المعنى : أقسم بيوم القيامة
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة [ القيامة : 2 ] ، ولم يقسم .
والسبب والإضمار مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ؛ أي : أهل القرية .
والخاص والعام مثل يا أيها النبي فهذا في المسموع خاص
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إذا طلقتم النساء [ الطلاق : 1 ] ، فصار في المعنى عاما .
والأمر وما بعده إلى الاستفهام أمثلتها واضحة .
والأبهة مثل :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إنا أرسلنا [ نوح : 1 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نحن قسمنا [ الزخرف : 32 ] ، عبر بالصيغة الموضوعة للجماعة للواحد تعالى تفخيما وتعظيما وأبهة .
والحروف المصرفة كالفتنة تطلق على الشرك ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حتى لا تكون فتنة [ البقرة : 193 ] .
[ ص: 28 ] وعلى المعذرة ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم [ الأنعام : 23 ] ؛ أي : معذرتهم .
وعلى الاختبار ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85قد فتنا قومك من بعدك [ طه : 85 ] . والاعتذار ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم [ المائدة : 13 ] . اعتذر أنه لم يفعل ذلك إلا بمعصيتهم . والبواقي أمثلتها واضحة .
[ ص: 20 ] النَّوْعُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ فِي وُجُودِ مُخَاطَبَاتِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ النَّفِيسِ :
nindex.php?page=treesubj&link=20766الْخِطَابُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا .
وَقَالَ غَيْرُهُ : عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا .
أَحَدُهَا خِطَابُ الْعَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [ الرُّومِ : 54 ] .
وَالثَّانِي : خِطَابُ الْخَاصِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ آلِ عِمْرَانَ : 106 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ [ الْمَائِدَةِ : 67 ] .
الثَّالِثُ : خِطَابُ الْعَامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [ الْحَجِّ : 1 ] ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ .
الرَّابِعُ : خِطَابُ الْخَاصِّ وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [ الطَّلَاقِ : 1 ] ، افْتَتَحَ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ سَائِرُ مَنْ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [ الْأَحْزَابِ : 50 ] ، الْآيَةَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14667أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْخِطَابِ لَهُ فَلَمَّا قَالَ فِي الْمَوْهُوبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50خَالِصَةً لَكَ [ الْأَحْزَابِ : 50 ] عُلِمَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ .
الْخَامِسُ : خِطَابُ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ
السَّادِسُ : خِطَابُ النَّوْعِ : نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40يَابَنِي إِسْرَائِيلَ
السَّابِعُ : خِطَابُ الْعَيْنِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ [ الْبَقَرَةِ : 65 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=48يَانُوحُ اهْبِطْ [ هُودٍ : 48 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=104يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ [ الصَّافَّاتِ : 104 ، 105 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=10يَامُوسَى لَا تَخَفْ [ النَّمْلِ : 10 ] .
[ ص: 21 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=55يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [ آلِ عِمْرَانَ : 55 ] ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ الْخِطَابُ بِيَا
مُحَمَّدُ بَلْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ، يَا أَيُّهَا الِرَسُولُ ؛ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ ، وَتَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُنَادُوهُ بِاسْمِهِ .
الثَّامِنُ : خِطَابُ الْمَدْحِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [ الْبَقَرَةِ : 104 ] ، وَلِهَذَا وَقَعَ الْخِطَابُ
بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=74وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا [ الْأَنْفَالِ : 74 ] .
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
خَيْثَمَةَ قَالَ : مَا تَقْرَءُونَ فِي الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ 30 فَإِنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ : يَا أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ .
وَغَيْرُهُمَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ يُؤْمَرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يُنْهَى عَنْهُ .
التَّاسِعُ : خِطَابُ الذَّمِّ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=7يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ [ التَّحْرِيمِ : 7 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ الْكَافِرُونَ : 1 ] ، وَلِتَضَمُّنِهِ الْإِهَانَةَ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ ، وَأَكْثَرُ الْخِطَابِ بِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) عَلَى الْمُوَاجَهَةِ ، وَفِي جَانِبِ الْكُفَّارِ جِيءَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ الْبَقَرَةِ : 6 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [ الْأَنْفَالِ : 38 ] .
الْعَاشِرُ : خِطَابُ الْكَرَامَةِ كَقَوْلِهِ : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَنَجِدُ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ الرَّسُولُ ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّشْرِيعِ الْعَامِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ الْمَائِدَةِ : 67 ] ، ، وَفِي مَقَامِ الْخَاصِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [ التَّحْرِيمِ : 1 ] ، قَالَ : وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالنَّبِيِّ فِي مَقَامِ التَّشْرِيعِ الْعَامِّ لَكِنْ مَعَ قَرِينَةِ إِرَادَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ [ الطَّلَاقِ : 1 ] ، وَلَمْ يَقُلْ : طَلَّقْتَ .
الْحَادِي عَشَرَ : خِطَابُ الْإِهَانَةِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=34فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [ الْحِجْرِ : 34 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=108اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 108 ] .
[ ص: 22 ] الثَّانِي عَشَرَ : خِطَابُ التَّهَكُّمِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [ الدُّخَانِ : 49 ] .
الثَّالِثَ عَشَرَ : خِطَابُ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [ الِانْفِطَارِ : 6 ] .
الرَّابِعَ عَشَرَ : خِطَابُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 51 ] ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ [ الْمُؤْمِنُونَ : 54 ] ، فَهُوَ خِطَابٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ ؛ إِذْ لَا نَبِيَّ مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ ، وَكَذَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا الْآيَةَ [ النَّحْلِ : 126 ] خِطَابٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=127وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ الْآيَةَ [ النَّحْلِ : 127 ] ، وَكَذَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا [ هُودٍ : 14 ] ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : قُلْ فَأْتُوا . وَجَعَلَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 99 ] ؛ أَيِ : ارْجِعْنِي . وَقِيلَ : رَبِّ خِطَابٌ لَهُ تَعَالَى ، وَارْجِعُونِ لِلْمَلَائِكَةِ .
وَقَالَ
السُّهَيْلِيُّ : هُوَ قَوْلُ مَنْ حَضَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَزَبَانِيَةُ الْعَذَابِ ، فَاخْتَلَطَ فَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ مِنَ الشَّطَطِ ، وَقَدِ اعْتَادَ أَمْرًا يَقُولُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدِّ الْأَمْرِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : خِطَابُ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ [ ق : 24 ] ، وَالْخِطَابُ
لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ ، وَقِيلَ : لِخَزَنَةِ النَّارِ وَالزَّبَانِيَةِ فَيَكُونُ مِنْ خِطَابِ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ . وَقِيلَ : لِلْمَلَكَيْنِ الْمُوَكَّلَيْنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=21وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ ق : 21 ] ، فَيَكُونُ عَلَى الْأَصْلِ .
وَجَعَلَ
الْمَهْدَوِيُّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=89قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [ يُونُسَ : 89 ] ، قَالَ : الْخِطَابُ
لِمُوسَى وَحَدَهُ ؛ لِأَنَّهُ الدَّاعِي وَقِيلَ : لَهُمَا لِأَنَّ
هَارُونَ أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَالْمُؤَمِّنُ
[ ص: 23 ] أَحَدُ الدَّاعِيَيْنِ .
السَّادِسَ عَشَرَ : خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى [ طَه : 49 ] ؛ أَيْ : وَيَا
هَارُونُ وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالنِّدَاءِ لِإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ .
وَالْآخَرُ : لِأَنَّهُ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَالْآيَاتِ ،
وَهَارُونُ تَبَعٌ لَهُ ، ذَكَرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ .
وَذُكِرَ فِي الْكَشَّافِ آخَرُ : وَهُوَ أَنْ
هَارُونَ لَمَّا كَانَ أَفْصَحَ مِنْ
مُوسَى نَكَبَ
فِرْعَوْنُ عَنْ خِطَابِهِ حَذَرًا مِنْ لِسَانِهِ . وَمَثْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [ طَه : 177 ] ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَفْرَدَهُ بِالشَّقَاءِ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا وَالْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ .
وَقِيلَ : لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الشَّقَاءَ فِي مَعِيشَةِ الدُّنْيَا فِي جَانِبِ الرَّجَالِ .
وَقِيلَ : إِغْضَاءٌ عَنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ كَمَا قِيلَ : مِنَ الْكَرَمِ سَتْرُ الْحَرَمِ .
السَّابِعَ عَشَرَ : خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ [ يُونُسَ : 87 ] .
الثَّامِنَ عَشَرَ : خِطَابُ الْجَمْعِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=24أَلْقِيَا [ ق : 24 ] .
التَّاسِعَ عَشَرَ : خِطَابُ الْجَمْعِ بَعْدَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=61وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ [ يُونُسَ : 61 ] ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : جَمَعَ فِي الْفِعْلِ الثَّالِثِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ دَاخِلُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِثْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [ الطَّلَاقِ : 1 ] .
الْعِشْرُونَ : عَكْسُهُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [ الْبَقَرَةِ : 43 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=87وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [ يُونُسَ : 87 ] .
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=78أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ [ يُونُسَ : 78 ] .
[ ص: 24 ] الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : عَكْسُهُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى [ طَه : 49 ] .
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَيْرُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [ الْأَحْزَابِ : 1 ] . الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَقِيًّا وَحَاشَاهُ مِنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ .
وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=94فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ الْآيَةَ [ يُونُسَ : 94 ] .
حَاشَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّكِّ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ التَّعْرِيضُ بِالْكُفَّارِ .
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : لَمْ يَشُكَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ ، وَمِثْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا [ الزُّخْرُفِ : 45 ] الْآيَةَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [ الْأَنْعَامِ : 35 ] ، وَأَنْحَاءُ ذَلِكَ .
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ الْغَيْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْنُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [ الْأَنْبِيَاءِ : 10 ] .
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ : الْخِطَابُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُقْصَدُ بِهِ مُخَاطَبٌ مُعَيَّنٌ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ [ الْحَجِّ : 18 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=27وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [ الْأَنْعَامِ : 27 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ [ السَّجْدَةِ : 12 ] لَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ خِطَابٌ مُعَيَّنٌ بَلْ كَلُّ أَحَدٍ ، وَأُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْخِطَابِ لِقَصْدِ الْعُمُومِ ، يُرِيدُ أَنَّ حَالَهُمْ تَنَاهَتْ فِي الظُّهُورِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا رَاءٍ دُونَ رَاءٍ ، بَلْ كُلُّ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ .
السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ الشَّخْصِ ثُمَّ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ [ هُودٍ : 14 ] ، خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِلْكُفَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [ هُودٍ : 14 ] ، بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ هُودٍ : 14 ] ، وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=8إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا [ الْفَتْحِ : 8 ] ، إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=9لِتُؤْمِنُوا [ الْفَتْحِ : 9 ] فِي مَنْ قَرَأَ بِالْفَوْقِيَّةِ .
السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ التَّلْوِينِ وَهُوَ الِالْتِفَاتُ .
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ الْجَمَادَاتِ خِطَابُ مَنْ يَعْقِلُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا [ فُصِّلَتْ : 11 ] .
[ ص: 25 ] التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ : خِطَابُ التَّهْيِيجِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ الْمَائِدَةِ : 23 ] .
الثَّلَاثُونَ : خِطَابُ التَّحَنُّنِ وَالِاسْتِعْطَافِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [ الزُّمَرِ : 53 ] . .
الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ : خِطَابُ التَّحَبُّبِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ [ مَرْيَمَ : 42 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ [ لُقْمَانَ : 16 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=94يَاابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي [ طَه : 94 ] .
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ : خِطَابُ التَّعْجِيزِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ [ الْبَقَرَةِ : 23 ] .
الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ : خِطَابُ التَّشْرِيفِ وَهُوَ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مُخَاطَبَةً بِ ( قُلْ ) فَإِنَّهُ تَشْرِيفٌ مِنْهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ يُخَاطِبَهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لِتَفُوزَ بِشَرَفِ الْمُخَاطَبَةِ .
الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ : خِطَابُ الْمَعْدُومِ وَيَصِحُّ ذَلِكَ تَبَعًا لِمَوْجُودٍ ، نَحْوُ : يَا بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلِكُلِّ مَنْ بَعْدَهُمْ .
فَائِدَةٌ :
قَالَ بَعْضُهُمْ : خِطَابُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِسْمٌ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِغَيْرِهِ ، وَقِسْمٌ لَهُمَا .
فَائِدَةٌ :
قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ : تَأْمَّلْ خِطَابَ الْقُرْآنِ تَجِدْ مَلِكًا لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، أَزِمَّةُ الْأُمُورِ كُلُّهَا بِيَدِهِ ، وَمَصْدَرُهَا مِنْهُ وَمَوْرِدُهَا إِلَيْهِ ، مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَقْطَارِ مَمْلَكَتِهِ ، عَالِمًا بِمَا فِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ ، مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ ، مُنْفَرِدًا بِتَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ ، يَسْمَعُ وَيَرَى وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ ، وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ ، وَيُكْرِمُ وَيُهِينُ ، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي ، وَيُقَدِّرُ وَيَقْضِي وَيُدَبِّرُ الْأُمُورَ نَازِلَةً مِنْ عِنْدِهِ دَقِيقَهَا
[ ص: 26 ] وَجَلِيلَهَا وَصَاعِدَةً إِلَيْهِ لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ .
فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تَجِدُهُ يُثْنِي عَلَى نَفْسِهِ ، وَيُمَجِّدُ نَفْسَهُ ، وَيَحْمَدُ نَفْسَهُ ، وَيَنْصَحُ عِبَادَهُ ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ وَيُحَذِّرُهُمْ مِمَّا فِيهِ هَلَاكُهُمْ ، وَيَتَعَرَّفُ إِلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَيَتَحَبَّبُ إِلَيْهِمْ بِنِعَمِهِ وَآلَائِهِ ، يُذَكِّرُهُمْ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ ، وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ تَمَامَهَا ، وَيُحَذِّرُهُمْ مَنْ نِقَمِهِ ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ إِنْ أَطَاعُوهُ وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ إِنْ عَصَوْهُ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِصُنْعِهِ فِي أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ ، وَكَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، وَيُثْنِي عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْسَنِ أَوْصَافِهِمْ ، وَيَذُمُّ أَعْدَاءَهُ بِسَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ وَقَبِيحِ صِفَاتِهِمْ ، وَيَضْرِبُ الْأَمْثَالَ ، وَيُنَوِّعُ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ ، وَيُجِيبُ عَنْ شُبَهِ أَعْدَائِهِ أَحْسَنَ الْأَجْوِبَةِ ، وَيُصَدِّقُ الصَّادِقَ ، وَيَكْذِّبُ الْكَاذِبَ ، وَيَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَيَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ، وَيَذْكُرُ أَوْصَافَهَا وَحُسْنَهَا وَنَعِيمَهَا ، وَيُحَذِّرُ مِنْ دَارِ الْبَوَارِ وَيَذْكُرُ عَذَابَهَا وَقُبْحَهَا وَآلَامَهَا ، وَيُذَكِّرُ عِبَادَهُ فَقْرَهُمْ إِلَيْهِ وَشَدَّةَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَيُذَكِّرُهُمْ غِنَاهُ عَنْهُمْ وَعَنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ ، وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنَالُ أَحَدٌ ذَرَّةً مِنَ الْخَيْرِ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَلَا ذَرَّةً مِنَ الشَّرِّ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَتَشْهَدُ مِنْ خِطَابِهِ عِتَابَهُ لِأَحْبَابِهِ أَلْطَفَ عِتَابٍ ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُقِيلٌ عَثَرَاتِهِمْ ، وَغَافِرٌ ذِلَّاتِهِمْ وَمُقِيمٌ أَعْذَارَهُمْ وَمُصْلِحٌ فَسَادَهُمْ ، وَالدَّافِعُ عَنْهُمْ وَالْمُحَامِي عَنْهُمْ ، وَالنَّاصِرُ لَهُمْ وَالْكَفِيلُ بِمَصَالِحِهِمْ ، وَالْمُنَجِّي لَهُمْ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ، وَالْمُوَفِّي لَهُمْ بِوَعْدِهِ ، وَأَنَّهُ وَلِيُّهُمُ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُمْ سِوَاهُ ، فَهُوَ مَوْلَاهُمُ الْحَقُّ وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى عَدْوِّهِمْ فَنِعَمَ الْمَوْلَى وَنَعِمَ النَّصِيرُ .
وَإِذَا شَهِدَتِ الْقُلُوبُ مِنَ الْقُرْآنِ مَلِكًا عَظِيمًا ، جَوَادًا رَحِيمًا جَمِيلًا ، هَذَا شَأْنُهُ فَكَيْفَ لَا تُحِبُّهُ وَتُنَافِسُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ ، وَتُنْفِقُ أَنْفَاسَهَا فِي التَّوَدُّدِ إِلَيْهِ ، وَيَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهَا مَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَرِضَاهُ آثَرَ عِنْدَهَا مِنْ رِضَا كُلِّ مَنْ سِوَاهُ ! وَكَيْفَ لَا تَلْهَجُ بِذِكْرِهِ وَتُصَيِّرُ حُبَّهُ وَالشَّوْقَ إِلَيْهِ وَالْأُنْسَ بِهِ هُوَ غِذَاؤُهَا وَقُوَّتُهَا وَدَوَاؤُهَا ، بِحَيْثُ إِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ فَسَدَتْ وَهَلَكَتْ وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِحَيَاتِهَا .
فَائِدَةٌ :
قَالَ بَعْضُ الْأَقْدَمِينَ : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثِينَ نَحْوًا ، كُلُّ نَحْوٍ مِنْهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ ، فَمَنْ عَرَفَ وُجُوهَهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ أَصَابَ وَوُفِّقَ ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَتَكَلَّمَ فِي الدِّينِ كَانَ الْخَطَأُ إِلَيْهِ أَقْرَبَ ، وَهِيَ : الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ ، وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، وَالْمَقْطُوعُ وَالْمَوْصُولُ ، وَالسَّبَبُ وَالْإِضْمَارُ ، وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ، وَالْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ ، وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِفْهَامُ
[ ص: 27 ] وَالْأُبَّهَةُ ، وَالْحُرُوفُ الْمُصَرَّفَةُ ، وَالْإِعْذَارُ وَالْإِنْذَارُ ، وَالْحُجَّةُ وَالِاحْتِجَاجُ ، وَالْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ وَالْقَسَمُ .
قَالَ : فَالْمَكِّيُّ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=10وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا [ الْمُزَّمِّلِ : 10 ] ، وَالْمَدَنِيُّ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : 190 ] ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَاضِحٌ .
وَالْمُحْكَمُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا الْآيَةَ [ النِّسَاءِ : 93 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [ النِّسَاءِ : 10 ] ، وَنَحْوُهُ مِمَّا أَحْكَمَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ .
وَالْمُتَشَابِهُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا الْآيَةَ [ النُّورِ : 27 ] ، وَلَمْ يَقُلْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [ النِّسَاءِ : 30 ] ، كَمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ ، وَقَدْ نَادَاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِيمَانِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا وَعِيدًا فَاشْتَبَهَ عَلَى أَهْلِهَا مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِهِمْ .
وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [ الْبَقَرَةِ : 180 ] ، التَّقْدِيرُ : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ .
وَالْمَقْطُوعُ وَالْمَوْصُولُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [ الْقِيَامَةِ : 1 ] ، فَ ( لَا ) مَقْطُوعٌ مِنْ أُقْسِمُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [ الْقِيَامَةِ : 2 ] ، وَلَمْ يُقْسِمْ .
وَالسَّبَبُ وَالْإِضْمَارُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [ يُوسُفَ : 82 ] ؛ أَيْ : أَهْلَ الْقَرْيَةِ .
وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِثْلُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ فَهَذَا فِي الْمَسْمُوعِ خَاصٌّ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [ الطَّلَاقِ : 1 ] ، فَصَارَ فِي الْمَعْنَى عَامًّا .
وَالْأَمْرُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ أَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ .
وَالْأُبَّهَةُ مِثْلُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=1إِنَّا أَرْسَلْنَا [ نُوحٍ : 1 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=32نَحْنُ قَسَمْنَا [ الزُّخْرُفِ : 32 ] ، عَبَّرَ بِالصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ تَعَالَى تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَأُبَّهَةً .
وَالْحُرُوفُ الْمُصَرَفَةُ كَالْفِتْنَةِ تُطْلَقُ عَلَى الشِّرْكِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [ الْبَقَرَةِ : 193 ] .
[ ص: 28 ] وَعَلَى الْمَعْذِرَةِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ [ الْأَنْعَامِ : 23 ] ؛ أَيْ : مَعْذِرَتُهُمْ .
وَعَلَى الِاخْتِبَارِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=85قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [ طَه : 85 ] . وَالِاعْتِذَارُ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [ الْمَائِدَةِ : 13 ] . اعْتَذَرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِمْ . وَالْبَوَاقِي أَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ .