الثالثة : ، فالمزكون [ هم ] المرجوع إليهم ليبينوا حال الشهود ، وأصحاب المسائل هم الذين يبعثهم إلى المزكين ، ليبحثوا ويسألوا ، وربما فسر أصحاب المسائل في لفظ ينبغي أن يكون للقاضي مزكون وأصحاب مسائل بالمزكين ، ثم المخبرون عن فسق الشهود وعدالتهم ضربان ، أحدهما : من نصبه الحاكم للجرح والتعديل مطلقا أو في واقعة خاصة ، فيسمع الشهادة عليهما ، وما ثبت عنده أنهاه إلى القاضي . الشافعي
والثاني من يشهد بالعدالة أو الفسق ، ثم من هؤلاء من يشهد أصالة ، ومنهم من يشهد على شهادة غيره ، والأول قد يعرف الحال فيشهد ، وقد لا يعرف فيأمره القاضي بالبحث ليعرف فيشهد ، كما يوكل القاضي بالغريب الذي يدعي الإفلاس من يبحث عنه ويخالطه ، ليعرف إفلاسه فيشهد ، وأما الثاني ، فهو شاهد فرع ، والقياس أنه لا يشهد إلا عند غيبة الأصل ، أو تعذر حضوره ، وكذا ذكره الهروي ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ينازع فيه . ، كتب اسم الشاهد ، وكنيته إن اشتهر بها ، وولاءه إن كان عليه ولاء ، واسم أبيه وجده وحليته وحرفته وسوقه ومسجده ، لئلا يشتبه بغيره ، [ ص: 169 ] فإن كان مشهودا وحصل التمييز ببعض هذه الأوصاف ، كفى ، ويكتب أيضا اسم المشهود له ، والمشهود عليه ، فقد يكون بينهما ما يمنع شهادته له ، أو عليه من قرابة أو عداوة . وإذا أراد الحاكم البحث عن حال الشهود
وفي قدر المال وجهان أحدهما : لا يكتبه ؛ لأن العدالة لا تتجزأ ، والصحيح المنصوص أنه يذكره ؛ لأنه قد يغلب على الظن صدق الشاهد في القليل دون الكثير ، وأما دعوى الأول أن العدالة لا تتجزأ ، فقد حكى أبو العباس الروياني في ذلك وجهين وبنى عليهما أنه لو عدل ، وقد شهد بمال قليل ، ثم شهد في الحال بمال كثير هل يحتاج إلى تجديد تزكية ويكتب إلى كل مزك كتابا ، ويدفعه إلى صاحب مسألة ، ويخفي كل كتاب عن غير من دفعه إليه وغير من بعثه إليه احتياطا ، ثم إذا ، فإن كان جرحا لم يظهره ، وقال للمدعي : زدني في الشهود ، وإن كان تعديلا ، عمل بمقتضاه ، ثم حكى الأصحاب والحالة هذه وجهين في أن الحكم بقول المزكين ، أم بقول أصحاب المسائل ؟ قال وقف القاضي على ما عند المزكين أبو إسحاق : بقول المزكين ؛ لأن أصحاب المسائل شهود على شهادة ، فكيف تقبل مع حضور الأصل ؟ وإنما هم رسل وعلى هذا يجوز أن يكون صاحب المسألة واحدا ، فإن عاد بالجرح ، توقف القاضي ، وإن عاد بالتعديل ، دعا مزكيين ليشهدا عنده بعدالة الشاهد ، ويشيرا إليه ، ويأمن بذلك من الغلط من شخص إلى شخص .
قال الإصطخري : إنما يحكم بقول أصحاب المسائل ، ويبنى على ما ثبت عندهم بقول المزكين .
قال ابن الصباغ : وهذا وإن كان شهادة على شهادة تقبل للحاجة ؛ لأن ، وقول المزكي لا يكلف الحضور الإصطخري أصح عند الشيخ أبي حامد ، والقاضي أبي الطيب وغيرهما . قالوا : وعلى هذا إنما يعتمد القاضي قول اثنين من أصحاب المسائل ، فإن وصفاه بالفسق ، فعلى ما سبق ، وإن وصفاه بالعدالة أحضر الشاهدين ليشهدا بعدالته ، ويشيرا إليه [ ص: 170 ] وإذا تأملت كلام الأصحاب ، فقد تقول : ينبغي أن لا يكون في هذا خلاف محقق ، بل إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل ، فحكم القاضي مبني على قوله ، ولا يعتبر العدد ؛ لأنه حاكم ، وإن أمره بالبحث ، بحث ووقف على حال الشاهد ، وشهد بما وقف عليه ، فالحكم أيضا مبني على قوله ، لكن يعتبر العدد ؛ لأنه شاهد ، وإن أمره بمراجعة مزكيين ، فصاعدا وبأن يعلمه بما عندهما ، فهو رسول محض ، والاعتماد على قولهما فليحضرا ويشهدا . وكذا لو شهد على شهادتهما ، لأن الشاهد الفرع لا يقبل مع حضور الأصل .