الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

المسألة الرابعة عشرة : أن الأمصار التي هـي كراسي الملك، تخرب بخراب الدول، قال ابن خلدون : قد استقرينا في العمران أن الدولة إذا انتقضت، فإن المصر الذي يكون كرسيا لسلطانها، ينقض عمرانه، وربما ينتهي إلى الخراب، ولا يكاد يتخلف ، ثم استدل بأمور نذكرها ملخصة من كلامه:

أحدها: أن مصير هـذا الكرسي في ملكة الدولة المتجددة، يذهب بالكثير من أحوال الرفه، لرجوع أهله إلى خلق تلك الدولة في تقليل تلك النفقات، لما توجبه بداوة بدايتها، فتنقص بذلك حضارته، وكثير من عوائد ترفه، وهو المراد بخرابه من تلك الجهة. [ ص: 138 ]

الثاني: أن عوائد أهل الدولة السابقة -وخصوصا أحوال الترفه- ينكرها أهل الدولة الجديدة، لما بينهم من المنافاة الناشئة عن العداوة المتمكنة وإذا كانت منكرة لديهم، صارت لذلك مفقودة، إلى أن تنشأ لهم بالتدريج عوائد أخرى، يكون عنها حضارة مستأنفة، وفيما بين ذلك قصور الحضارة الأولى ونقصها، وهو المراد أيضا باختلال عمران المصر.

الثالث: أن الدولة إذا اتخذت كرسيا لملكها غير ما كان للدولة السابقة، تسارع الناس بالانتقال إليه، وخف لذلك عمران الكرسي الأول، فنقصت حضارته وتمدنه، كما وقع للعرب في العدول عن المدائن إلى الكوفة والبصرة ، وبني العباس في التحول عن دمشق إلى بغداد ، وللسلجوقية في الخروج عن بغداد إلى أصبهان ، وبني مرين في العدول عن مراكش إلى فاس .

الرابع: أن الدولة المتجددة لا بد فيها من تتبع أهل الدولة السابقة -إذا غلبت عليها- بتحويلهم إلى مصر آخر يؤمن فيه عاديتهم، وهم أكثر أهل المصر الكرسي. وإذا نقلوا عن وجه التغريب والحبس والكرامة والتلطف، بحيث لا يؤدي إلى نفرة، لم يبق فيه إلا الباعة والهمل.. وإذا ذهب من المصر أعيانه على طبقاتهم، نقص ساكنه، وهو معنى اختلال عمرانه. [ ص: 139 ]

قلت: ومن ثم قيل: " إذا ولت دولة قلت أمة، وإذا أتت دولة نسخت أمة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية