الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

تخطيط وعمارة المدن الإسلامية

خالد محمد مصطفى عزب

* مصلى العيد

كان لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرها الواضح في اشتمال المدينة على ساحة فضاء، تقام عليها صلاة العيد في الخلاء، عرفت بـ " مصلى العيد " ، يخرج إليها أهل المدينة لصلاة العيد [1] .

* دور الضيافة

وخصصت بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور للضيافة واستقبال الوفود، كان من أهمها دار عبد الرحمن بن عوف الكبرى، وكانت تسمى: " دار الضيفان " ، أو " دار الأضياف " [2] ، ودار رملة بنت الحارث الأنصارية التي نزلتها وفود غسان وبني ثعلبة [ ص: 55 ] وعبد القيس ، وبني فزارة [3] .

* تحصين المدينة

حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحصين المدينة من أضعف الجهات، وهي الجهة الشمالية، وذلك قبل قدوم الأحزاب للمدينة، ولو بلغت هـذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة أسوار المدينة بغتة، لكان ذلك من أعظم الأخطار على كيان المسلمين، التي قد تصل إلى حد استئصال شأفتهم، ولكن يقظة الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي أمدته عيونه بتحرك جيوش المشركين، حالت دون ذلك.

وبعد أن استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه ، حيث قال: يا رسول الله! إنا كنا بأرض فارس، إذا حوصرنا خندقنا علينا.. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك [4] وهذا درس يلقنه الرسول صلى الله عليه وسلم لنا، وهو أن نأخذ من الأمم التي سبقتنا في أطوار العلم ما يفيدنا، ويرفع مقدرة المسلمين على مجابهة أعدائهم [ ص: 56 ]

( وعن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:

اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة.

فقالوا مجيبين له:

نحن الذين بايعوا محمدا *** على الجهاد ما بقينا أبدا. )
[5] .

وقسم أصحابه إلى مجموعات، يتكون كل منها من عشرة أشخاص كلفوا بحفر أربعين ذراعا، ولما كان طول الخندق حوالي (1200 ذراع) ، فإنه يكون قد اشترك في حفره ثلاثة آلاف مسلم، وخط الرسول صلى الله عليه وسلم الخندق من حصن بني سلمة غربي مسجد الفتح [6] .

وحفر هـذا الخندق، عمل معماري حربي ضخم، أنجز في فترة وجيزة بلغت في أقصى تقدير أربعة وعشرين يوما، وكان لحسن تنظيم العمل ومخافة هـجوم الأعداء بسرعة أثره في ذلك.. [ ص: 57 ] واستكمالا لأعمال التحصين، حصنت جدران المنازل القريبة من الخندق، والتي بينها وبين العدو مسافة قصيرة [7] .

واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المعسكرات لجنده خارج المدينة، على مسافة منها، ومن أمثلة ذلك معسكر الجرف الذي يبعد عن المدينة ثلاثة أميال في اتجاه الشمال، وهو معسكر أسامة بن زيد عندما أرسل إلى الشام ، وهو الذي عسكر به الجند عند ذهابهم إلى مؤتة [8] .

رأينا فيما سبق العديد من الوحدات المعمارية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو ما سيؤسس فيما بعد مكونات المدن الإسلامية الأولى.. وهذه الوحدات: هـي المسجد الجامع، وتمثل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى جواره منازله، التي مثلها فيما بعد دار الإمارة، والسوق الذي اختير موقعه بناء على توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ، والخطط التي أقطعت للقبائل، وتحصين المدينة بالخندق، والذي مثلته فيما بعد الأسوار والأبراج. [ ص: 58 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية