الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            توطين العلوم في الجامعات العربية والإسلامية (رؤية ومشروع)

            الدكتور / علي القريش

            الفصل الرابع

            الترجمة والتعريب مدخلا لتوطين العلوم

            في الجامعات العربية والإسلامية

            تنطوي ترجمة العلوم وتعريبها على أهمية بالغة تتصل بالحفاظ على بناء الهوية وتيسير التعلم والتدريب والبحث، فضلا عن أهميتها في إمكانات منح العلم شروطه الوطنية، وإذا كان هـذا الأمر مستشعرا عربيا وإسلاميا، فهو مستشعر أيضا في الإطارات القومية الأخرى، بدليل حرص الكثير من الدول على أن يكون تعليمها بلغاتها القومية، وليست فرنسا وألمانيا والصين واليابان وبلغاريا وإسرائيل واليونان إلا أمثلة لذلك.

            والذي يعنينا في هـذا الخصوص هـو استجلاء إمكانات الترجمة في توطين ما تتم ترجمته من معارف وعلوم.

            إن التعلم باللغة القومـية يوفر بطبيعتـه تعليما أكثر يسـرا وسلامة مما لو كان يتم بلغات أجنبية، كما أن التعلم بهذه اللغة يساعد على إدراك موضوعات العلم ومفرداته، ويمنح القدرة على التوغل في القضايا بما يؤدي إليه من السيطرة على المادة العلمية، بإنتاج نمط من الوعي يساعد على تشخيص الظواهر والغوص في حقائق المشكلات. [ ص: 153 ] إن اللغة وعاء الفكر، والذي يتعلم أو يبحث بلغة ما، سيفكر بها على نحو ما، وسيحمل معه سمات الفكر الذي يسكن تلك اللغة، وإذا كان التعليم في الجامعات العربية والإسلامية بغير اللغات القومية يمثل ظاهرة سلبية، فإن الترجمة التي لا تخضع لمقتضيات التوطين وخدمة المشروع الثقافي ستكون أداة من أدوات التغريب والاستلاب.

            لقد تنبهت أوروبا إلى هـذه الحقيقة منذ لحظة قيامها بترجمة علوم العرب والمسلمين، حين قامت باستبعاد كل ما كان يصطدم بالرؤى والنظرات التي كانت تؤمن بها، وعمدت إلى إدراج العلوم المستعارة ضمن سياقاتها المعرفية لتحصل في النهاية على «علوم أوربية» [1] .

            وهذا ما فعله العرب المسلمون حين نقلوا علوم الآخرين من يونان وفرس وهنود وغيرهم، ووظفوا تلك العلوم بالترجمات الشارحة والنقل التقويمي ضمن سياقاتهم المعرفية الخاصة.

            وهذا يعني: أن الترجمة المحصنة بخلفية معرفية قوية، لا يمكنها أن تكون ترجمة حرفية، وإذا كانت الترجمة الحرفية مطلوبة بشأن النصوص الإحصائية والرياضية والمالية والوثائقية ونحوها، فإنها لا تكون كذلك في حقل العلوم الإنسـانية والاجتمـاعية، ذلك أن لغـة هـذه العلوم ليست مجرد رموز [ ص: 154 ] أو وحدات لغوية، بل تنطوي على مسلمات ومفاهيم ونظريات ومناهج في التفكير والتحليل، وهي في الكثير من الحالات ليست إلا انعكاسا لرؤى فلسفية أو تصورات عقيدية أو آيديولوجية، أو توصيفات لحقائق نسبية، وكل ذلك بطبيعته يحتاج إلى منحى ترجمي يقوم على التمييز بين ما هـو علمي وما هـو آيديولوجي ، وبين ما هـو علمي مطلق وما هـو علمي نسبي، حتى يتسنى في النهاية توطين ما يستحق من المنقول توطينه، سواء بالتكييف، أو بإعادة الصياغة، أو بالعرض الناقد في أدنى الحالات.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية