الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            توطين العلوم في الجامعات العربية والإسلامية (رؤية ومشروع)

            الدكتور / علي القريش

            مقترح لبناء المناهج التعليمية وفقا لمبدأ تكامل المعرفة

            ينصرف استخدام مفهوم التكامل في إطار «علم» المناهج التعليمية عند كثير من الباحثين مثل «فورجاتي» و «جاكويس» و «ستاج» وغيرهم إلى معنى التماسك والترابط بين عناصر المنهج، بما يقدم من محاور معرفية وأنشطة تعليمية وأساليب منظمة ومخططة؛ سعيا لتنمية شخصية المتعلم على النحو الذي يمكنه من الاضطلاع بأدواره المتعددة في المجتمع مستقبلا[1] .

            وبإلقاء نظرة على الخطط والمناهج المطبقة حاليا في الكثير من المدارس والجامعات العربية والإسلامية، نفاجأ بظـاهرة التكديس والتـكرارية التي لا يراعى من خلالها مقتضيات التكامل المعرفي [2] على النحو الذي بيناه.

            وفي ضوء كل ما تقدم، وبصرف النظر عن الصيغ والنماذج الفنية التفصيلية التي اقترحها التربويون لتحقيق التكامل في المناهج، يمكننا وضع [ ص: 216 ] تصور تخطيطي عام لتنظيم المناهج في المدارس والجامعات العربية والإسلامية، انطلاقا من مبدأ تكامل المعرفة، وذلك وفق المسارات الآتية:

            1- التكامل بين الفروع والوحدات الدراسية للعلم الواحد، كما في التقاء الفيزياء الكهربائية بالفيزياء المغناطيسـية، أو الترابط بين التربية الأخلاقية والتربية السياسية، أو في الجمع بين الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السكانية، وهكذا..

            2- التكامل بين العلوم المتعددة في إطار المجموعة الواحدة، كما في التقاء الفيزياء بالكيمياء، والحيوان بالنبات، والتاريخ بالجغرافية، والسياسة بالاجتماع، والتربية بعلم النفس.

            3- التكامل بين العلوم المتعددة في إطار المجموعات العلمية المختلفة، كما في التقاء العلوم الإنسانية بالطبيعية، ومن أمثلة ذلك: تخصص الاقتصاد البيئي، وتخصص الأخلاقيات البيولوجية، وعلم النفس السياسي وغيرها.

            4- التكامل بين العلوم المشخصة (كالميكانيكا والكيمياء والجيولوجيا والفلك وعلم النفس وعلم الاجتماع) والعلوم المجردة (الصورية) (كالرياضيات والمنطق والإحصاء) .

            5-التكامل بين المعرفة الدينية والمعرفة الدنيوية، أي بين علوم الدين كالعقيدة والشريعة والسلوك وبين علوم الواقع المشهود [3] ، وهذا اللون من [ ص: 217 ] التكامل ينطلق من الإيمان بالربط بين المعرفة والغايات، والعلم والوظيفة، والوجود والمصير.

            6- التكامل الرأسي بين ما تم تعلمه في المراحل الدراسية السـابقة، وما يتم تعلمه في المراحل اللاحقة، وهذا يعني: الربط بين المعارف والعلوم التي يتم تلقيها في المراحل الابتدائية والثانوية، وما يتم تلقيه في المراحل الجامعية والعليا اللاحقة.

            7- التكامل الخارجي بين مناهج النظام التعليمي وحاجات الفرد ومتطلبات المجتمع المختلفة، وهذا المستوى يتطلب تحقيق الترابط والتنسيق بين الإعداد الأكاديمي وعالم العمل، وذلك عن طريق مد التعلم والتدريب إلى ساحات الورش ومؤسسات المجتمع الإنتاجية المختلفة [4] .

            وفي الختام لا بد أن نشير إلى أن إعداد المناهج التعليمية وفقا لمبدأ التكامل المعرفي قد يثير اعتراضين، الأول: أن التوسع بإضافة مواد إلى كل تخصص قد يتعارض مع ضرورات التعمق والتوسع التخصصي في ظل تفجر المعرفة وتراكم المعلومات والخبرات التي باتت تستغرقها مختلف الفروع العلمية، والثاني: أن التوسع في المنهج من شأنه -على الصعيد التعليمي- أن يدفع بالطلبة إلى اعتبار المعرفة مجرد وسيلة للنجاح أو الحصول على الشهادة، ولا ينظر إليها بوصفها قيمة بذاتها، الأمر الذي قد يدفع بهم نحو الحرص على حفظها وتخزينها بشكل مؤقت حتى حلول ساعة الامتحان! وهو ما يعني: [ ص: 218 ] أن التوسع المنهاجي من غير ما ضرورة قد يحول دون توفير حالة من التفاعل الحقيقي مع المعرفة، ومن ثم لا يساعد على جعلها جزءا من الشخصية والتكوين الثقافي المستديم.

            وإذا كان كلا الاعتراضين لا يخلو من صحة ووجاهة، فإننا نود أن نؤكد أن أهمية الأخذ بمبدأ التكامل المعرفي لا تأتي من تكديس المعـلومات أو تطويل المنهج، فمنهج التكامل لا يعني حشو المقررات بالتفاصيل المختلفة إلى درجة الاختناق، بل هـو تكوين لرؤية عميقة نحو العلم، يمكن من خلالها بناء تصور شمولي للكون والإنسان والحياة، وهو ما لا يوفره الرجوع إلى المنهجية القائمة على الحفظ وجمع أكبر كم من المعلومات، لذلك فالتكامل مشروط بالتركيز المعرفي والتماسك العلمي، وتعلم طرائق في التفكير والبحث في إطار وعي البنى الكلية للمعرفة بعيدا عن التكديس والحشو الذي لا معنى له.

            وأخيرا، لا يفوتنا أن نشير إلى أن فعالية المنهج التكاملي تظل في كل الأحوال مرتبطة بمدى استيعاب المعلم المنفذ لفكرة التكامل، سواء على صعيد الفروع العلمية، أو الأنشطة التعليمية، أو الأساليب التقويمية، فضلا عن مدى التعاون والتنسيق فيما بين المعلمين على اختلاف تخصصاتهم. [ ص: 219 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية