الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - المشهد النقدي ومقومات البديل

            واليوم، ونحن نعيش حالة التراجع، ونفكر بالخروج من المأزق، ونحاول الاجتهاد في البحث عن بديل علمي مناسب، نجد أن المشهد النقدي الراهن قد انتهى إلى اتجاهين رئيسين:

            الأول: إصلاحي، يسلم بالإنجازات الغربية في الفروع المختلفة للعلوم الإنسانية، ويدعو إلى إقرارها، مع الأخذ بمبدأ التطويع والتكييف الذي يناسب مجالنا الاجتماعي وظروفنا الحضارية.

            والثاني: جذري، ينطلق من مبدأ التأصيل والتأسيس، ويدعو إلى إيجاد «العلمية الخاصة»، مع التعامل النقدي مع المعطيـات العلمية الغربية، وتقبل ما هـو مطلق وإيجابي فيها، دون الاستنكاف عن أي استعارات مفيدة. [ ص: 35 ] ونحن إذ نرى عدم كفاية الاتجاه الأول, لأسباب علمية وتربوية وحضارية، فإن الاتجاه الثاني هـو الأجدر بالتبني في إطار من الجهود الفردية والمشتركة, ولا بأس بأن نشـير هـنا إلى أبرز المقومات التي ينبغي الأخـذ بها لبلورة هـذا الاتجاه:

            أولا: تطوير الموقف النقدي من العلوم الغربية على النحو الذي يقود إلى امتلاك القدرة على التمييز بين ما هـو علمي موضـوعي، وبين ما هـو قيـمي أو آيديولوجي، مع الاستفادة مما توصل إليه علماء الغرب من حقائق ومعارف علمية نتفق نحن وإياهم على موضوعيتها أو إطلاقها، كما نستأنس بالحقائق والمعارف النسبية أو الجزئية التي توصلوا إليها، سواء كانت خاصة بمجتمعاتهم أو بغيرها من المجتمعات، ذلك «أن العلم الذي يمكن أن يقوم مقام البديل، يجد جزءا من مادته الأولى الأساسية في العلم الذي يراد تجاوزه».

            ثانيا: العكوف المسبق على ترتيب المسلمات الميتافيزيقية والأفكار القيمية، التي تأخذ صفة الثوابت في إيمـاننا, واعتبارها الأساس الفلسفي لبنائنا المعرفي [1] .

            وهذا المستوى من المعرفة له موضوعيته الخاصة، التي يكتسبها بصفته مستمدا من أهم مصادر المعرفة في الرؤية الإسلامية وهو (الوحي) الذي يقدم المعرفة اليقينية - حين يكون قطعي الصدور قطعي الدلالة. [ ص: 36 ]

            ثالثا: بذل الجهد العلمي المتواصل لاكتشاف الحقائق والمعارف الموضوعية المرتبطة بالفرد والمجتمع في مجالنا العربي الإسلامي، وصياغة النظريات التي تفسر ظواهره الكلية والجزئية، وذلك من خلال دراسات وبحوث نظرية واستقصائية وحقلية وتجريبية [2] يمكن استخدامها لمزيد من فهم الواقع، واستنباط قوانينه المطلقة أو النسبية, العامة أو الجزئية، والنظر إلى تلك النظريات والقوانين بصفتها قواعد أساسية في بنية مشروعنا العلمي الخاص.

            رابعا: استلهام التراث العربي الإسلامي نصا وخبرة في بناء بعض المفاهيم والنظريات أو تطويرها، مع ضرورة الحذر من التعامل مع معطياته بمنهجية الاستنساخ التي من شأنها أن تقود إلى حفر «الأفكار الميتة» (التي كانت حية في إطارها التاريخي أو الاجتماعي، ثم فقدت فاعليتها في خضم المتغيرات) - كما يوضح ذلك مالك بن نبي ، رحمه الله.

            خامسا: الإسهام في اكتشاف الحقائق والمعارف الإنسانية المطلقة، التي لم يتوصل إليها العلم الإنساني المعاصر، وتسجيل أية نتيجة موضوعية دقيقة تتمخض عن ذلك وإضافتها إلى صرح المعرفة العلمية العامة، مع اعتبارها جزءا لا يتجزأ من منظومتنا العلمية الخاصة.

            سادسا: اكتشاف وتطوير مناهج بحثية وأساليب وأدوات نابعة من الواقع، تتناسب مع القضايا والإشكاليات المثارة ضمن هـذا الواقع، مع إمكانية الاستفادة من المناهج والأساليب والأدوات الغربية المناسبة. [ ص: 37 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية