الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            هجرة العقول والكفاءات

            معادلة حضارية

            د. خالد حربي

            - مقدمة:

            ارتبطت ظاهرة الهجرة بالإنسان منذ أن خلق، حيث تنقل من مكان إلى آخر، وهاجر من أرض إلى أخرى بحثا عن الغذاء والأمن والحرية. وظل العالم يعرف ويدرك مفهوم الهجرة هكذا حتى قيام الحضارات القديمة حيث قامت العقول المهاجرة بدور رئيس فيها تمثل في نقل أهم إنجازات بلادهم إلى البلاد التي هاجروا إليها، وأوجدوا تفاعلا خلاقا بين الحضارات المختلفة.

            وبمجيء الإسلام ارتبطت الهجرة بمدلول ديني في الذاكرة باعتبارها إحدى صور الجهاد في سبيل الله بناء على هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة. [ ص: 101 ]

            وفي العصور الحديثة والمعاصرة أصبحت ظاهرة الهجرة بزيادة معدلاتها عملية سكانية نتيجة مجموعة من الأسباب ترتبت عليها مجموعة من التغيرات في حجم وشكل المجتمع. وتأتى في مقدمة الأسباب الداعية إلى الهجرة، الأسباب السياسية والاقتصادية، وخاصة في الهجرات المنطلقة من دول العالم الثالث والمتجهة إلى أوربا والغرب، الأمر الذي أحدث أزمات ومشاكل في الدول المهجرة لرعاياها، لاسيما الكفاءات أو العقول المميزة.

            ولم تقتصر هجرة العقول المميزة على دول العالم الثالث أو الدول العربية فحسب، بل تعد ظاهرة عالمية، فهناك هجرة للعقول المتميزة من اليابان والصين والهند وباكستان وبعض الدول الإفريقية.. وغيرها، لكن أهم ما تتميز به هو اتجاهها دائما إلى الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

            بدأت ظاهرة هجرة العقول العربية الإسلامية بصورة متواضعة في القرن التاسع عشر، خاصة من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والجزائر، ثم زادت مع بداية القرن العشرين وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعد انتهاء الأخيرة وفي ظل استقلال الشعوب المحتلة وتحررها، مع التوجه العصري للتكنولوجيا، شهد العالم ظاهرة هجرة الكفاءات والعقول العربية الإسلامية بصورة خطيرة منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، حيث أورثت هذه الظاهرة حالة من الفقر في الكفاءات العلمية العربية الإسلامية، وقد ساعد على ذلك أيضا إصابة المثقفين العرب بعد هزيمة يونيو 1967م [ ص: 102 ] بصدمة نفسية، فرأوا في الهجرة ملاذا من الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المرير.

            ومع أن انتصار 1973م عمل على إعادة عدد كبير من الكفاءات العربية الإسلامية المهاجرة إلى أوطانها، كما ساعد على إبقاء الكثير من العقول العربية الإسلامية في أوطانها، إلا أن ظاهرة العولمة (Globalization) وثورة المعلومات والاتصالات أديتا بشكل ملحوظ إلى الاهتمام برأس المال المعرفي الذي يجتذب الكفاءات والعقول المميزة، بحيث أصبحت هجرة الكفاءات العربية إلى البلدان الرأسمالية تحتل مكانا أساسيا في السياسات الاقتصادية لهذه الدول المتقدمة، وتشكل في الوقت نفسه خطرا على تطور المجتمعات العربية وتقدمها، يؤيد ذلك أن معظم الدراسات التي أجرتها المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، تبين أن معظم الكوادر العربية الإسلامية المهاجرة تمثل كفاءات ذات قدرة عقلية عالية تشمل كل نواحي المعرفة العلمية، الأمر الذي يتسبب في خسائر مالية للدول العربية الإسلامية تقدر بما يتجاوز 200 مليار دولار نتيجة هجرة أكثر من 10 مليون من الكفاءات العلمية والخبرات الفنية العربية الإسلامية.

            إذن نحن أمام ظاهرة جد خطيرة على المجتمع الإسلامي قياسا على ماضيه وتاريخه التليد.

            فهل لهجرة العقول والكفاءات الإسلامية جذور في تاريخ الأمة، وخاصة في فترات السؤدد الحضاري؟ [ ص: 103 ]

            هل وجد في العالم الإسلامي إبان عصور ازدهار حضارته أي عوامل لدفع العقول والكفاءات وهجرتها إلى خارجه ؟

            ما الفروق الجوهرية بين واقع العالم الإسلامي في العصور الإسلامية وواقعه حاليا ؟

            ما الأسباب والدوافع التي تدفع العقول والكفاءات الإسلامية للهجرة خارج العالم الإسلامي حاليا؟

            هل هناك إحصـائيات لهجرة العقـول الإسلامية، وإن وجدت، فإلى ما تشير وتنذر ؟

            تساؤلات منهجية وجوهرية تحاول هذه الدراسة الإجابة عليها. [ ص: 104 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية