الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - معالجة ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية:

            بعد أن حددنا أبرز الأسباب التي تدفع الكفاءات العلمية للهجرة وترك أوطانهم الأصلية في المبحث الأول من هذه الدراسة، وبعد أن ذكرنا الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن الهجرة في هذا المبحث، نشير هنا إلى أبرز السبل والجهات التي يمكن من خلالها معالجة هذه الظاهرة للحد من هجرة العقول البشرية، حيث تأخذ تلك المعالجة وسائل متعددة، تقوم بها جهات متعددة ممثلة بالدولة في إطارها العام والمؤسسات الحكومية الخدمية، وكذلك الجامعات والمراكز العلمية، وبقية المنظمات المجتمعية، وفقا للتفصيل التالي [1] :

            أولا: دور الدولة في معالجة ظاهرة الهجرة:

            إن بإمكان الدولة بإطارها العام السياسي والاقتصادي والخدمي أن تنهض بمهمة معالجة ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية للحد من هجرة العقول والخبرات عن طريق جملة من الإجراءات والسياسات العليا تجاه تلك الكفاءات، منها:

            1- تقديم برامج دقيقة متعلقة بسياسة التوظيف في مؤسسات الدولة، من حيث الأجور والمرتبات المجزية لتحقيق الكفاية الاقتصادية لتلك الكفاءات، وتوفير مستقبل آمن لهم ولأسرهم، ووضع برامج أخرى على مستوى الترويح والراحة والرفاهية، ليكونوا مطمئنين على مستقبل أبنائهم وليتفرغوا للإنتاج والإبداع العلمي والتقني. [ ص: 204 ]

            2- اختيار المكان المناسب للكفاءات العلمية، بما يتفق مع مؤهلاتهم وإمكاناتهم، وبما يتناسب مع تخصصاتهم وخبراتهم، بحيث يحقق لهم شعور الجدية بالعمل والاهتمام بالقدرات العلمية والفنية، الأمر الذي يؤدي إلى رفع كفاءة وقدرة الأشخاص بممارستهم لتخصصاتهم التي قضوا سنين طويلة في دراستها، كما أنه يحقق الفائدة المرجوة منه ويدفع العمل إلى الإمام للنهوض بالأمة والدولة على حد سواء.

            3- توفير المناخ السياسي الذي يمنحهم المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار، ويتيح لهم حرية الفكر والرأي والتعبير، بما ينعكس إيجابا على تقدم البحث العلمي وتشجيع الباحثين والكفاءات على خدمة المجتمع وتطوير أدواته العلمية.

            4- إتاحة الفرصة لأصحاب الكفاءات والخبرات العلمية والمهنية والفنية للمشاركة في قيادة أوطانهم، بما يحقق الفائدة على تلك المجتمعات وعلى العلماء أنفسهم الذي يشعرون أنهم جزء مهم في المجتمع وأن عليهم الإسهام في تطوير الأمة وتقدمها.

            5- اعتماد ميزانيات مجزية لمؤسسات البحث العلمي، لغرض النهوض بالجامعات والمراكز البحثية، وتقديم إغراءات مالية ومعنوية للكفاءات العلمية، من خلال منحها مناصب مرموقة وظيفيا واجتماعيا على مستوى البحث العلمي ومؤسسات الدولة الأخرى. [ ص: 205 ]

            ثانيا: دور المؤسسات الحكومية والجامعات والمنظمات في معالجة هجرة الكفاءات:

            وتشمل هذه المؤسسات قطاعات التربية والتعليم، وقطاعات الشباب والرياضة، وقطاعات الخدمة الاجتماعية، والتشغيل والقوى العاملة، ويمكن لهذه المؤسسات والقطاعات أن تساهم في معالجة ظاهرة الهجرة وفقا لما يلي:

            1- نشر ثقـافة الولاء الوطني والابتعـاد عن الولاءات الضيقة حزبيا أو عرقيا أو مذهبيا.

            2- احترام الحريات الأكاديمية وصيانتها وعدم تسييس التعليم، من خلال بناء المناخات العلمية لتشجيع المواهب المتميزة، وإعطاء أعضاء الهيئات الأكاديمية والعلمية حرية الوصول إلى مختلف علوم المعرفة والتطورات العلمية وتبادل المعلومات والأفكار.

            3- إعداد خطة منهجية لتطوير مناهج التعليم، بما يتناسب مع حاجة المجتمع المحلي للاختصاصات المختلفة وبالأعداد المطلوبة لتلبية تلك الاحتياجات، بحيث تكون مخرجات الأنظمة التعليمية متفقة مع الحاجة الفعلية للمجتمع.

            4- التركيز على طرح برامج الدراسات العليا في جميع التخصصات العلمية، وتوفير الإمكانات المادية والعلمية لتلك البرامج، وتحسين ظروف الباحثين، ودمجهم بمؤسسات الدولة الأخرى، لتقديم المشورة العلمية والمساهمة في حل المشاكل التي تعترض تلك المؤسسات.

            5- تفعيل دور الشباب في حرية إبداء آرائهم وأفكارهم من خلال المنتديات والمراكز الثقافية والشبابية والمؤسسات الحكومية والجامعات العلمية.

            6- تشجيع الشركات والمؤسسات الخاصة للمشاركة في تمويل البحوث العلمية والإفادة منها، عن طريق تحويلها إلى برامج تنفيذية ومخترعات صناعية. [ ص: 206 ]

            7- تطوير نظام الرواتب والأجور والمكافئات الخاصة بالمهنيين والفنيين من أصحاب الخبرة والكفاءة، وإعادة النظر في سلم رواتبهم وأجورهم، وتقديم حوافز مادية ترتبط بالبحث والنتاج العلمي، وخاصة فئة الشباب، حتى لا يضطروا إلى التفكير بالهجرة [2] .

            8- توفير أدوات وأجهزة البحث العلمي من قبل الجامعات العلمية للباحثين، وتشجيعهم على نشر بحوثهم ودراساتهم في الدوريات والمجلات العالمية.

            9- عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل العلمية التي لها ارتباط بالواقع الصناعي والاقتصادي والعلمي، ودعم العلماء والخبراء للمشاركة في هذه المؤتمرات، من أجل إحداث احتكاك علمي بين الخبرات المحلية والعالمية، وصولا إلى الإبداع والابتكار.

            10- وأخيرا: يمكن أن تشارك المجتمعات العربية والمسلمة ممثلة بمنظماتها المحلية في العمل على الحد من ظاهرة هجرة العقول والكفاءات العلمية، عن طريق توجيه رسائل ونداءات إلى المواهب الوطنية المهاجرة للعودة إلى الوطن الأم، والمساهمة في تنمية تلك الأوطان وتطورها وتقدمها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق ميثاق شرف مشترك يهدف إلى توظيف العقول والكفاءات العلمية وعدم إهمالها وتهميشها، وصولا إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع عدم التفريق بين أجور الخبراء المحليين من أبناء البلد وبين الخبراء الأجانب، مادامت المؤهلات متساوية والخبرات متوافقة. [ ص: 207 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية