الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            المعطيات الحضارية لهجرة الكفاءات

            نخبة من الباحثين

            - المهاجر العربي وسؤال الجغرافيا:

            تطرح قضية هجرة الإنسان العربي عن وطنه أكثر من سؤال في سياق موضوعنا، ذلك أن تفاصيل الحياة في الوطن العربي باتت تدفع الكثيرين في اتجاه المغادرة بعد أن ضاقت سبل العيش الكريم واتسعت الهوة بين طبقات المجتمع، ولسان حالهم يقول كما قال الشاعر:


            إنا وجـدنا بلاد الله واسعـة تنجي من المخزاة والذل والهون     فلا تقيموا على ذل الحياة وخز
            ي في الممات وعيب غير مأمون



            لقد استحال الإنسان العربي في وطنه إلى مجرد وجود بدون معنى فاقد لركن من أركان الهوية وهو الارتباط بالوطن والولاء له.

            إن الولاء للوطن والأمـة همـا الأساس في تشـكيل هـوية الفرد؛ لأنها "الذات الجماعية لأفراد الأمة كلهم، والمس بها يمس بكيان الأمة كله ويمس في الوقت نفسه كل فرد منها على السواء؛ لأنه شك في الماضي وطعن في الحاضر ويأس من المستقبل" [1] .

            لقد أصبح "الوطن العربي" بيئة طاردة بامتياز للإنسان عموما، للإنسان الذي يرغب في الحرية والكرامة الإنسانية وفي التغيير، كما أنه أصبح أيضا [ ص: 45 ] طاردا للكفاءات العلمية خصوصا في اتجاه البحث عن بيئات "تقدر" قيمة الجهد الإنساني وتعطي على الإبداع وتشجع عليه [2] .

            والوطن بهذا الوضع أصبح يفقد مع الوقت جاذبيته في النفوس، بل أصبح يتراجع في خارطة مكونات الهوية لدى جيل عريض من الراغبين في الهجرة أو الذين تيسر لهم طريق العبور إلى الغرب بحثا عن "بلد آخر" [3] ، بل أصبح مفهوم "المواطنة" لا يجد له الإنسان العربي والمسلم معنى ولا طعما إلا حين يهاجر فيقف على المعاني التي تجعل من المفهوم حياة تملأها الكرامة واحترام الحقـوق ورعاية إنسـانية الإنسان بموجب القوانين لا المجاملات أو الوسائط الزبونية، التي أفسدت الحياة العربية العامة.

            إنه لا جدال في أن مكون الوطن باعتباره "جغرافيا مقدسة" لها حرمتها وقيمها وواجباتها على من ينتسبون إليها تستدعي رعاية هذا الركن بما هو أداة للمحافظة والانفتاح في نفس الوقت، والواقع أن بعض الباحثين [ ص: 46 ] يعتقد أنه "لا هوية إلا وتبدي انغلاقا وانفتاحا في آن" [4] ، ونحن نحتاج في الحقيقة لأن نراجع حدود هذه المرونة في كل وقت لأنها مرونة تداولية راجعة لطبيعة الإنسان الزمنية والتاريخية. غير أن هذه المراجعة لا تعني سيولة الهوية الوطنية كما لم تكن تعني تصلبا وتحجرا في الارتباط [5] .

            وفي علاقة بسؤال الوطنية أو المواطنة يظهر أن حل هذا الإشكال راجع إلى تقوية الارتباط من قبل القائمين على تدبير السياسات بالإنسان في هذه الدول وذلك عبر برامج تحقق العدالة الاجتماعية وترسخ قيم الحرية والكرامة والمساواة وحقوق الإنسان وتعيد الثقة للإنسان وتحد من قلقه على المستقبل [6] ، حتى لا نصير إلى وضع يطلب فيه المواطن العربي وطنا آخر يفضله على وطنه الأصلي، أو وضع آخر لا يقل عنه خطورة حيث يستجيز عدد من الكوادر العربية في مختلف القطاعات التنموية والعلمية الحيوية الهجرة إلى أوربا وكندا وأمريكا للعمل في مؤسسات تقدم لهم إغراءات مادية تحرم وطنهم من الاستفادة من خبراتهم، التي يقدمونها مع قدر ليس باليسير من مواطنتهم وهويتهم وانتمائهم.

            إنه أمر بالغ الخطورة ينبغي للجهات الرسمية في بلداننا العربية أن توقفه؛ لأنه نزيف العقول أو "المادة الرمادية" أغلى ما تملكه الأمم والشعوب. [ ص: 47 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية