الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - الآثار السلبية لهجرة الكفاءات العلمية:

            رغم ما ينتج عن هجرة الكفاءات العلمية من بعض الآثار الإيجابية للبلدان الأصلية أو لبلد المهجـر، في كونها توفر ظروف عمل ومعيشة أفضل للمهاجرين، مما يؤدى إلى أن ترتفع إنتاجيتها وأن تساهم بدرجة أكبر في الناتج الاقتصادي العـام، باعتبار ذلك معينا عاما تشترك فيه كل البشرية، سواء منها البلـدان الأصلية أم بلد المهجر، فإن تلك الهجرة تعد نزيفا لمورد حيوي يؤدي إلى إضعاف فرص التنمية للبلدان الأصلية من الناحية الاقتصادية.

            إن من البديهي أن هجرة فرد يتمتـع بكفاءة علمية أو مهنية ينجم عنها خسارة لبلده الأصـلي، تتمثل في التكلفة التاريخية والعلمية والمادية التي تكبدها المجتمع في تكوين وتعليم هذا العالم والخبير، في مقابل حصول بلد المهجر علي مكسب كبير يعادل التكلفة التي كان سيتكبدها لو كان المهاجر إليه قد تكون أساسا داخل حدوده أو ضمن مؤسساته العلمية والمهنية، ولا شك أن هذه التـكلفة التاريخية والمادية ترتفع كلما زادت درجة تأهيل المهاجر. [ ص: 199 ]

            وبذلك تفرز هجرة العقول والكفاءات العلمية إلى البلدان المتقدمة عدة آثار سلبية على واقع التنمية في بلدانها الأصلية، بحيث تؤثر على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية، وتمتد كذلك إلى التعليم والتدريب، وبناء على ذلك فإن المخاطر المترتبة على هجرة العقول والكفاءات العلمية ذات تأثيرات مركبة، كونها تعد خسارة فادحة في ميادين عديدة، من أهمها:

            1- استنـزاف العقول المتميزة:

            تمثل هجرة العقول العربية استنـزافا لشريحة متميزة ومؤثرة وفاعلة في المجتمع، خاصة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلدانها، التي بدأت بتنفيذ خطط تنموية واسعة النطاق، فهي في هذه المرحلة بأمس الحاجة إلى الكفاءات العلمية والأيدي العاملة المدربة القادرة على النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقها للوصول بمجتمعاتها إلى مستوى الطموح والتقدم العلمي والتطور المهني.

            2- خسارة في مجال التعليم:

            تعتبر هجرة العقول والكفاءات العلمية خسارة للبلدان الأصلية في مجال التعليم في جميع مراحله، باعتبار أن تلك البلدان تعاني أصلا من الأمية العلمية والتقنية، وأن هجرة الكفاءات العلمية يمثل أحد المعوقات الرئيسة أمام التنمية والتقدم العلمي، في عصر تمثل فيه الكفاءات العلمية والتقنية التي تتمتع بالمعرفة والخبرة المصدر الرئيس للقضاء على الأمية العلمية والنهوض بالأمة العربية والإسلامية لتكون منافسة لغيرها من الأمم. [ ص: 200 ]

            3- الخسائر الاقتصادية للبلدان الأصلية:

            تؤدي هجرة الكفاءات العلمية إلى خسائر اقتصادية كبيرة للبلدان الأصلية، تتمثل في هدر الأموال الطائلة على الطلبة الذين نالوا هذه الكفاءات المتقدمة، حيث تتحمل دولهم، سواء أكان الطالب يدرس على حسابه الخاص أو على حساب حكومته، فإن رأس المال المصروف يمثل خسارة للاقتصاد الوطني، ذلك أن تعليم وتدريب العالم الواحد لا يقل بحدوده الدنيا عن (500.000) خمسمائة ألف دولار أمريكي

            [1] ، بالإضافة إلى الخسـارة الناتجة عن فقدان الدور التنموي لتلك الكفاءات العلمية في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي في البلد الأصلي من خلال إنتاجاتهم العلمية.

            4- توسيع الهوة بين الدول الغنية والفقيرة:

            تؤدي هجرة العقول العربية إلى توسيع الهوة بين الدول الغنية المتقدمة علميا واقتصاديا وبين الدول الفقيرة التي تعاني من التخلف العلمي والاقتصادي، ذلك أن هجرة الأدمغة إلى الدول المتقدمة تعطي تلك الدول فوائد كبيرة ذات مردود اقتصادي مباشر، بينما تشكل بالمقابل خسارة مضاعفة للبلدان التي نزح منها أولئك العلماء، خاصة وأن التقنيات والاختراعات المتطورة التي يبدعها أو يسهم فيها العلماء [ ص: 201 ] المهاجرون تعتبر ملكا خاصا لدول المهجر الجاذبة لهم، في الوقت الذي تحرم دولهم الأصلية من الاستفادة من إبداعاتهم الفكرية والعلمية في مختلف المجالات.

            5- تكريس فكرة التبعية للبلدان المتقدمة:

            حيث تكرس ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية فكرة التبعية للبلدان المتقدمة، وتبرز مظاهر التبعية في هذا المجال بالاعتماد على التكنولوجيا المستوردة، وكذلك من خلال تكريس التبعية الثقافية والاندماج في سياسات تعليمية غير متوافقة مع خطط التنمية من خلال تفضيل (الكم) على (النوع) في هذا الميدان

            [2] ، مما يتسبب في اتساع الهوة العلمية بين مستويات تطور المجتمعات العربية بالمقارنة مع مجتمعات الدول المتقدمة.

            6- تبديد الموارد البشرية:

            حيث تؤدي هذه الهجرة إلى تبديد الموارد البشرية وإهمالها، الأمر الذي يوصل إلى ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلدان الأصلية، بالمقارنة مع الإنتاج العلمي والبحثي في دول المهجر، مما يعني بالنتيجة ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول، التي تصب في شرايين البلدان الغربية، بينما تحتاج التنمية الوطنية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي في بلدانها الأصلية. [ ص: 202 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية