الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الفصل الثالث

            التأصيل النظري لمفهوم الحكم الراشد

            - تمهيـد:

            مفهوم الحكم الراشد، بات يشغل حيزا متناميا من شواغل المحللين السياسيين في الآونة الأخيرة، لما يتضمنه من أهمية كبرى للبعد السياسي؛ وذلك لتبني المفهوم لبعدين متوازيين، يختص أولهما - وفقا لأطروحات البنك الدولي عام 1989م - بالبعد الإداري والاقتصادي، أما البعد الثاني، فهو البعد السياسي، مما جعل المفهوم يشغل موقع الصدارة على قائمة الأجندة البحثية لكثير من المحللين السياسيين [1] .

            فالحكم الراشد من المواضيع المهمة في إدارة الحكم، وسياسة الدول وتقدمها، وعند مقارنة دولتين لهما نفس الموارد، نجد رغم التشـابه بينهما، تقـدم دولة وتخلف أخـرى، ويكمن الفارق بينهما في كون الأولى تتسم بالحـكم الراشد، بينما هو يغيب عن الثانية، بالإضافة إلى اتخاذ السـلطات العامة في الدولة، التي تتسم بالحكم الراشد لقراراتها على أساس من توافر [ ص: 113 ] المعلومات الصحيحة المتعلقة بموضوع ومشكلة عامة، ومقارنة البدائل المختلفة للتعامل معها، واختيار البديل، الذي يحقق أقصى فائدة بأقل نفقة [2] .

            في جانب آخر، يرى بعض المحللين أن الحكم الراشد قضية إدارية بحتة، ولا ينطوي على بعد سياسي. ويكتفون بأن تأخذ الدولة ببعض التنظيمات الإدارية لكي يتوافر لديها هذا الحكم.. ويغيب عن أذهان هؤلاء أن قضية الحكم الراشد هي قضية سـياسية في المحل الأول، تتعلق بكيفية اتخاذ القرار وأسباب اتخاذه على أعلى المستويات، ومدى المسؤولية عنه.

            والحكم الراشد يقوم على عناصر لا يمكن لنظام سياسي أن يتمتع بالشرعية بدونها، في مقدمتها حكم القانون، والشفافية، والمساءلة، والتكافؤ في توزيع أعباء وفوائد السياسات العامة بين المواطنين، وتقبل الحكومة للاستجابة لرغباتهم المشروعة بطبيعة الحال.

            وغياب هذه العناصر، يؤدي بالضرورة إلى انتشار الفساد بكافة صوره.. فالفكرة الأساسية في الحكم الراشد، هي العدالة في توزيع الفوائد والأعباء، والحرص على الصالح العام، ليكفل الأمن للحكام والمحكومين.

            وبدراسة تاريخنا الإسلامي يتضح جليا أن مبادئ الحكم الصالح أو الراشد للمجتمع الإنساني، وركائز مفهوم قيام الدولة المسلمة، نادت بها الشريعة الإسلامية ضمن مبادئها الأساسية القائمة على العدل والحرية والمساواة والشورى [3] ، منذ بداية الدعوة الإسلامية. [ ص: 114 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية