الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            دور القيادة في إدارة الأزمة

            سلوى حامد الملا

            المبحث الثاني

            إدارة الأزمة على المستوى الدولي

            (مؤتمر المانحين)

            تضع أزمة النيجر مجموعة من التحديات أمام الدول العربية والإسلامية، في التعامل معها، من ذلك: كيف تستطيع الدول الإسلامية التعامل مع الحدث (أزمة النيجر) بشكل إيجابي، وسـط التحديات، التي يواجهها العمل الخيري في البلاد الإسلامية، خاصة بعد أن تم تجميد وتقييد حركة العديد من المنظمات الإسلامية الفاعلة والتي كانت سباقة في مثل هذه الأزمات والأحداث، بدعوى "دعم الإرهاب"؟

            يضاف إلى ذلك تقصير الإعلام في عدم إيصال وإيضاح ونقل المشكلة على حقيقتها إلى الشعوب الإسلامية، ومن ثم توجههم لتلبية النداء الإنساني بمساعدة النيجر.

            تلك التحديات، جعلت من الأهمية بمكان التساؤل حول دور "منظمة التعاون الإسلامي"، ومساهمتها في معالجة الأزمة! وكان أن تمت الدعوة لعقد مؤتمر خاص سمي بـ "مؤتمر المانحين لصالح النيجر". [ ص: 209 ]

            - أولا: العاصمة القطرية تستضيف المؤتمر:

            وفي ظل اهتمام الحكومة القطرية بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، بشكل خاص، والقضايا الإنسانية بوجه عام، تفاعلت قطر مع الأزمة في النيجر، فاستضافت مؤتمر المانحين، الذي عقد في الدوحة في الفترة من 13-14 يونيو 2007م والذي نظمته الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي)، بالتعاون مع حكومة دولة قطر، ووزارة الخارجية والتعاون والاندماج في النيجر.

            ويعتبر المؤتمر استجابة إيجابية لطلب النيجر، بإيجاد حل لمشكلة نقص الغذاء في النيجر، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

            وقد ساهمت عدة جهات في مؤتمر المانحين، بالإضافة لدولة قطر، منها الهلال الأحمر القطري، ومؤسسة الشيخ عيد الخيرية، وقطر الخيرية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، وغير ذلك من الدول والمنظمات الخيرية والإنسانية.

            كما أعلنت منظمات وهيئات وجمعيات دولية وإقليمية على مستوى القارة الإفريقية، عن مساهماتها الإنسانية، والمتمثلة في تقديم الغذاء، وتقديم خدمات أخرى في مجال الصحة، والطفل والمرأة، إضافة إلى السعي لتحقيق التنمية المستدامة وتخفيف آثار المجاعة ونقص الغذاء في النيجر.

            ومما دعا إليه مؤتمر المانحين تفويض البنك الإسلامي للتنمية، لمساعدة الدول المتضررة من الكوارث، على إعادة تشكيل مخزونها من الأغذية في إطار [ ص: 210 ] البرنامج العشري، ودعم التنمية والتخفيف من وطأة الفقر في إفريقيا، وذلك من خلال الإجراءات التالية:

            1- تعزيز النشاطات الرامية إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإفريقية، بما في ذلك دعم المسيرة الصناعية وتنشيط التجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا والتخفيف من عبء الديون والفقر والقضاء على الأمراض، والترحيب بمبادرة الشراكة الجديدة للتنمية الإفريقية "نيباد"، من خلال تبني برنامج خاص للتنمية في إفريقيا.

            2- دعوة الدول الأعضاء، للمشاركة في الجهود الدولية، لدعم البرامج الرامية إلى التخفيف من حدة الفقر.

            3- حث الدول الأعضاء الدائنة، لإلغاء الديون الثنائية، ومتعددة الأطراف.

            4- حث المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة، لبذل جهود أكبر في التخفيف من حدة الفقر في الدول الأعضاء الأقل نموا.

            فمؤتمر المانحين، حسب تصريح الأمين العالم لمنظمة "التعاون الإسلامي"، يعزز وسائل الوصول إلى تحقيق بعض الأهداف التنموية لبرنامج العمل العشري، الذي أقرته القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة والتي تتكامل مع الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية [1] ، التي أقرتها الأمم المتحدة. [ ص: 211 ]

            - ثانيا: الاتفاق على برنامج التمويل واستراتيجية العمل:

            كان الاتفاق بين الأطراف الرئيسة الثلاثة للمؤتمر (منظمة التعاون الإسلامي، دولة قطر، ووزارة الخارجية والتعاون والاندماج في النيجر) على تقديم ثلاثة برامج أساسية للتمويل تتمثل في:

            1- برنامج لتعزيز المخزون الوطني للأمن الغذائي.

            2- برنامج إصلاح البيئة، من خلال ترشيح مياه الأمطار.

            3- برنامج مكافحة انعدام الأمن الغذائي، من خلال تطوير الري.

            وقدر إجمالي التمويلات المطلوبة لإنجاز هذا البرنامج بـ 270 مليون دولار أمريكي خلال خمس سنوات.

            والهدف الأساس من البرامج المقدمة لمؤتمر المانحين: تلافي المجاعة في النيجر بصفة مستدامة.

            ويعتبر مؤتمر المانحين، أهم تظاهرة نظمتها منظمة التعاون الإسلامي، تجسيدا لمعاني وقيم التكافل والتضامن بين المسلمين، وحرصا على تجاوز إطار المساعدات الظرفية الطارئة إلى إطار بناء القدرات الذاتية، وتعزيز الأمن الغذائي المستدام، واعتبر المؤتمر نقلة نوعية في عمل المنظمة وتنفيذا لأحكام برنامج العمل العشـري، الذي اعتمده مؤتمر القمة الإسـلامي في دورته الاستثنائية في مكة المكرمة عام 2005م والذي يقوم على مبدأ التضامن في العمل. [ ص: 212 ]

            كما اتفقت الأطراف المجتمعة في الدوحة على السعي لتنفيذ استراتيجية تخفيف حدة الفقر والتنمية الريفية، لأنهما يمثلان الإطار المرجعي في مجال التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، في النيجر.

            وتنطلق تلك المحددات الثلاثة، من توفير مخزون غذائي عاجل للطوارئ، والاهتمام بحماية البيئة، وزيادة الإنتاج الزراعي، بهدف تخفيف نقص الغذاء على المدى الطويل.

            ومن الاستراتيجيات المهمة، التي دعا إليها المؤتمر، أنه من واجب الدول الإسلامية المساهمة والمساعدة في التخفيف من وطأة الفقر والجوع في النيجر، تحقيقا للتضامن الإسلامي، وما تمليه الواجبات الشرعية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) [2] .

            فكان من ضمن ما دعا إليه المؤتمر وانطلاقا من المبادئ الإسلامية الداعمة للتكافل والتكاتف والعمل الإنساني: العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في النيجر.

            كما جاء مؤتمر المانحين، في جانب منه، تعبيرا عن اهتمام وتضـامن عالمي إزاء قضـية إنسـانية.

            غير أن تلك الجهود، على أهميتها وقيمتها ودورها الفاعل، إلا أنه يصعب مقارنتها ومقاربتها بأنموذج القيادة العمرية، الذي قدم درسا عمليا للمنظمات [ ص: 213 ] الإقليمية والدولية في معنى القيادة المركزية المنضبطة، التي تحترم وتحفظ حقوق الآخرين، وفي الوقت نفسه تحرص على معنى التكاتف والتكافل، الذي يحقق التوازن العادل في مساعدة الآخر دون تكاسل وتردد.

            لقد أظهرت الدولة العمرية أنموذجا للقيادة ذات الكفاءة العالية في إدارة الأزمة، بمنهج عقلي وإسلامي، كما كشفت عن مدى حرص القيادة على الاهتمام بتكريم الإنسان واحترام حقوقه وحرياته، ولم يقتصر فقط على مجرد عقد الاجتماعات وإطلاق التصريحات [3] .

            - حدود الاستفادة من التجربة الصينية:

            كانت "التجربة الصينية" في مواجهة المجاعة والفقر، حاضرة في أذهان المهتمين بالبحث عن وسائل معالجة وإدارة الأزمة في النيجر.

            فقد اقترح الخبراء الدوليون في برنامج الأغذية العالمي، من ضمن الحلول للأزمة، الاستفادة من تجربة الصين ونجاحها في مكافحة الفقر في أراضيها، والانطلاق منها، سيما أن التقارير الخاصة بالأوضاع السـياسـية والاقتصـادية في النيجر [4] تشير إلى أن الصين من المستثمرين في مجال التنقيب عن النفط. [ ص: 214 ]

            وفي الوقت نفسه، يحذر بعض الخبراء من مخاطر استدعاء ممارسات وتجارب مؤسسية غريبة؛ سواء كانت أوروبية أو آسـيوية أو غيرها، وفرضها على إفريقيا.. فمن السذاجة أن يفترض البعض أن إفريقيا يمكنها ببساطة أن تستنسخ سياسات معينة للوصول إلى ما حققته الصين من نجاح، ذلك إن إفريقيا تواجه معوقات تختلف اختلافا كبيرا عما واجهته الصين وعملت على إصلاحه، ومن أهم هذه المعوقات: تفاوت أكبر في الأجور، وكثافة سكانية أقل، ومعدلات إعالة أعلى.

            ويرى "مارتن رافاليون" مدير مجموعة بحوث التنمية في البنك الدولي

            [5] ، أن من أهم الدروس، التي يمكن أن تستفيدها إفريقيا، من تجربة الصين اتباع سياسة "تحرير الأسواق".. ويقول: إن "نجاح الصين يبرهن على صحة المبدأ العام الذي مفاده: أن تحرير الأسواق يعود بالنفع على الفقراء، لقد استجاب المزارعون الصينيون استجابة رائعة لحوافز السوق، ومن غير المحتمل أن يختلف عنهم المزارعون الأفارقة في هذا الشأن؛ لكن خلف نجاح الصين يكمن شيء أكبر كثيرا من مجرد السماح للأسواق بأن تؤتي أثرها".

            لقد تأسس نجاح الصين على مؤسسات قوية للدولة، نفذت سياسات واستثمارات عامة داعمة. ويجب على أفريقيا أن تحسن قدرتها على تنفيذ [ ص: 215 ] السياسات المطلوبة؛ وهذه السياسات يجب أن تتجنب إيذاء الفقراء، ومن المهم أن تستخدم قدرات الدولة في تنفيذ السياسات الصالحة ونبذ السياسات السيئة.

            وبما أن الدول الإفريقية، والنيجر منها، تعتمد اعتمادا رئيسا على الزراعة، فإن من أهم الوسائل لمواجهة الأزمات والمجاعات، والارتقاء والنمو بمصالح الفقراء، الاهتمام بالقطاع الزراعي والريفي، والعمل على زيادة إنتاجية صغار المزارعين، لا سيما في المراحل الأولى، وذلك مما يتطلب وجود مؤسسات قوية للدولة، تعمل على تبني السياسات الداعمة.

            فبإمكان الحكومات والدول، متى ما أبدت الجدية في إنقاذ شعوبها وتنمية مجتمعاتها، الاستفادة من تجارب الآخرين، في مجال التنمية، التي تساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي على نحو مستدام، وليس مجرد تلقي إعانة مالية أو إغاثة تنتهي بانتهاء كمياتها [6] .

            وفي ضوء ذلك، وبالنظر إلى مسـتويات الفقر والوفرة النسـبية في المعـروض من الأرض في إفريقـيا، ومع المسـتـويـات المرتـفعة لأسـعار الأغـذيـة اليـوم، فإن استراتيجية أساسها الزراعة يجب أن تكون المحور الأساس لأي سبيل فعال للخروج من أزمات الفقر. [ ص: 216 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية