الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            المبحث الأول

            أزمة النيجر

            بين العوامل الطبيعية والعوامل السياسية

            - أولا: العوامل الطبيعة (المناخ؛ الجفاف؛ التصحر):

            تغطي الصحراء الكبرى ما يقرب من 80% من إجمالي مساحة النيجر، في حين تتهدد الأجزاء الباقية مشكلات مناخية أهمها الجفاف والتصحر

            [1] ، كما أن قلة هطول الأمطار، أدى إلى سوء الموسم الزراعي. وأدت الرياح الرملية القوية، التي تتعرض لها النيجر إلى تغطية مساحات كبيرة من الحقول الزراعية في عدد من المناطق، في حين أن نهر النيجر لا يساهم في الري للزراعة، بسبب عدم وجود أية سدود على النهر. [ ص: 203 ]

            ويشكل النمو السكاني الهائل عاملا مؤثرا في المجاعة، أضف إلى ذلك، ضعف وسائل النقل، وموقع الدولة الجغرافي، فهي "دولة حبيسة"، ليس لها منافذ بحرية حولها مما أثر في زيادة الأزمة.

            تلك الأسباب مجتمعة، جعلت جمهورية النيجر واحدة من أفقر دول العالم، التي تتعرض لمجاعة تصل إلى مستوى الكارثة.

            وإضافة إلى العوامل الطبيعية والجغرافية، تكاتفت مجموعة من العوامل الأخرى، فهناك العوامل الطارئة المتمثلة في عدم توفر الكميات الكافية من الإمدادات الغذائية، لعدم وصول الإغاثة، كما أن ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية على مستوى العالم يعد عاملا مساعدا على زيادة المجاعة وانتشارها، علاوة على انتشار الجراد، والحشرات الضارة، التي أتلفت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وصلت نسبتها إلى 100% في مناطق ( تيلادي وطاوا ومرادي وزندر). يضاف إلى ذلك، عمليات إزالة الغابات، الأمر الذي ساهم في زيادة حدة الجفاف.

            - ثانيا: العوامل الاقتصادية: (الفقر؛ غياب مشروعات التنمية، وبخاصة السدود):

            يعتمد الوضع الاقتصادي للنيجر، على زراعة الكفاف، فهو قوام الاقـتـصـاد في النـيـجـر، وغـالبا ما يتعطل بسـبب فـتـرات الجـفـاف الطـويـلـة، التي تجتاح البلاد، إذ يعتمد السكان في غذائهم على ما يحصلون عليه من محصول لهم ولرعي أغنامهم. [ ص: 204 ]

            ويعمل معظم السكان في مجال الزراعة والرعي، ويعتمدون في إنتاجهم الزراعي على القطن، والذرة، والدخن، غير أن المساحة الزراعية صغيرة جدا ولا تتعدى 3% من مجمل المساحة الكلية للدولة، في حين أن نسبة المراعي الخصبة والغابات لا تزيد عن 9%.

            وتؤدي فترات الجفاف الطويلة، بطبيعة الحال، إلى البطالة، وعدم القدرة على العمل والإنتاج، وما يتبعها من مجاعة.

            إلى جانب ذلك، توجد في النيجر، بعض المنتجات المعدنية، المستغلة وغير المستغلة، فالمستغلة تتمثل في استخراج وتصدير اليورانيوم، وهذه الصناعة من أهم الموارد الاقتصادية للبلد، إلى جانب الفحم، وخام الحديد، والقصدير، والفوسفات. أما الموارد غير المستغلة فتتمثل في النفط؛ فهي تملك أغزر وأغني ثروات الخام ومصادر الطاقة [2] ، إلا أن هناك أسبابا وعوامل عديدة أدت إلى تفاقم المشكلة ودفعت بالمجموعات السكانية لسكان النيجر إلى "حافة حرجة" ومستويات أشد خطورة من انعدام الأمن الغذائي.

            فعجز التمويل يفاقم الأزمة الغذائية، وهو ما يدفع المنظمات والهيئات، والحكومة النيجيرية إلى الإعلان المتكرر بطلب المساعدة.

            وهناك عوامل أخرى مهمة تسهم في حدة المجاعة؛ فالفقر والتخلف، الذي تعاني منها النيجر، جراء استمرار المجاعة، ينعكس سلبا على التعليم [ ص: 205 ] والتنمية، مما يتسبب في إطالة مدة الأزمة حتى بدت وكأنها أزمة مزمنة، حيث يدفع الفقر والمجاعة النيجـر إلى الاقتراض، الذي يؤدي بدوره إلى تراكم الديون.

            كما أدى انتشار المجاعة وسوء الأوضاع البيئية المصاحبة إلى تفشي الأمراض مثل الملاريا والسل ونقص المناعة، وانتشار مرض سوء التغذية عند الأطفال، مما يزيد من نسبة الوفيات، خاصة عند الولادة، ليشكل ذلك خطرا على صحة الأمهات.

            على المستوى الاقتصادي، تتفاقم المشكلة سوءا؛ حيث تنعدم الصناعة، بشكل عام، باستثناء الصناعات التقليدية، فالنيجر تعتمد اعتمادا كليا على الاستيراد من الخارج لتوفير حاجياتها من اللباس إلى المواد الغذائية والأجهزة.

            وعلى الرغم من وجود نهر النيجر، يجري على امتداد 550 كيلو مترا، إلا أنه لا توجد عليه سدود من أجل الري، وتوليد الكهرباء، لذلك تستورد النيجر الكهرباء من دولة نيجيريا، ومع ذلك فهي تتعرض لقطوعات التيار الكهربائي، التي قد تمتد لعدة شهور، خاصة في فترات الصيف وحين ترتفع درجات الحرارة ويزداد الطلب للكهرباء.

            تلك الأسـباب مجتمعة، جعلت النيجر واحـدة من أفقر دول العالم، التي تتعرض لمجاعة تصل إلى مستوى الكارثة، كما تؤكد تقارير المنظمات الخيرية ووسائل الإعلام الصادرة في فترة الأزمة الحادة. [ ص: 206 ]

            - ثالثا: العوامل السياسية (أزمة القيادة في النيجر):

            هناك علاقة ارتباطية بين نشوب الصراعات الداخلية، وامتلاك الدول لموارد أولية.. وقد أصبحت مجموعة الموارد، التي تتوفر عليها النيجر، تمثل مغنما جعل الفرقاء السياسيين يتسابقون ليحظى كل فريق بأكبر نصيب ممكن منه، وذلك في ظل غياب "الحكم الراشد " وغياب آليات ومؤسسات فاعلة تضمن العدالة التوزيعية لتلك الموارد وإدارتها بشكل كفء.

            لقد انتقلت النيجر، كغيرها من دول أفريقيا، من حقبة الاستعمار الغربي المباشر أواسط القرن الماضي لتتجه إلى حقبة الاستعمار غير المباشر، عبر نخب صنعتها القوى الإمبريالية على عينها لتحل محلها في إدارة شؤون البلاد، بما يحقق مصـالح تلك القوى في المقام الأول، ومن ثم مصـالح النـخب الحاكمة.

            أما مصـالح دول وشـعوب القـارة فلا مجـال لتحـقيقـها إلا بالقدر، الذي لا يتعارض مع مصالح كل من الدول المستعمرة السابقة وحلفائها المحليين الحاكمين.

            ولقد تعرضت النيجر، منذ أن حصلت على الاستقلال السياسي من فرنسا في 3 / 8 /1960م، لعدد من الانقلابات العسكرية، الأمر الذي انعكس سلبا على الأوضاع السياسية والأمنية. [ ص: 207 ]

            وقد أدى سوء الأوضاع السياسية والأمنية، إلى جعل مساحات شاسعة من الصحراء، مكانا خصبا لزراعة الألغام.

            وتكمن المشكلة الأساس في أن نزع الألغام عملية مكلفة، لا تقوى عليها النيجر بمفردها، فهي دولة فقيرة تعاني من نقص كبير في مواردها المالية، مما دفع اللجنة الدولية للإغاثة للسـعي لإقناع المؤسـسات المانـحـة الاهتمام بهذه المشـكلة والمسـاهمة في العمل على علاجها

            [3] . [ ص: 208 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية