الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            دور القيادة في إدارة الأزمة

            سلوى حامد الملا

            المبحث الثاني

            تعدد سياسات إدارة الأزمة بحسب تنوع الأزمات

            تتعدد أساليب إدارة الأزمات، بتعدد التصنيفات والأنماط والمراحل، الواردة لمفهوم "إدارة الأزمة" ولا يوجد تصنيف موحد لأنواع الأزمات، حيث تختلف باختلاف الأسس، التي يعتمدها الباحثون في إجراء التصنيف.

            وفيما يلي أهم تصنيفات الأزمات:

            - أولا: تصنيف الأزمات وتعدد أنواعها:

            هناك عدة سيناريوهات لإدارة الأزمة، وهي تختلف باختلاف طبيعة الأزمة وأيضا بحسب المرحلة، التي تمر بها، وعند الشعور بوجود أزمة ما، يعلن عنها، وتخبر بها القيادات لأخذ الحذر ومن ثم يحدث إدراك لواقعها وظروفها، وهذه المرحلة تتطلب نفاذ بصيرة وقوة ملاحظة، فمن المهم مثلا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي الأزمة قبل وقوعها، فإدارة الأزمات تشمل التخطيط لمنع وقوع الأزمة، وتحتاج قيادة ذات طبيعة خاصة [1] .

            فكم من أزمة صغيرة، ازدادت نتيجة اتخاذ القرار الخاطئ وسوء اختيار فريق إدارة الأزمات. [ ص: 61 ]

            1- التصنيف وفقا لأسباب الحدوث:

            تنقسم الأزمات، وفقا لأسباب حدوثها، إلى:

            - كـوارث طبيعيـة: (Natural Crises & Disasters) ناجمة عن قوى فوق سيطرة البشر، مثل: الزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والجفاف وغيرها، وهي تسبب خسائر مادية وبشرية، وقد تؤثر بشكل إيجابي في تماسـك المجتمع، حيث تسـاعد الدول بعضها بعضا، كما حدث في زلزال "هايتي" و"إعصار تسونامي".

            - أزمات وكوارث بشرية من صنع الإنسان: (Man - Made Crises & Disasters) وهي ناجـمة عن تصـرفات يقوم بها البشـر، ومن أمثلتها: المخاطر المدمرة الناجمة عن التسـلح، وأعمال القتل العمد، والحروب، وخلافات العمل، وتدمير البيئة، وغيرها [2] .

            فالأزمات تتطور على نحو دوري، ولا تأتي فرادى، وهي لا تخضع لنظـام ترتيب، فإن دورة حياة الأزمة تجعل من الصـعب معرفة النقطة، التي تنتهي عندها أزمة ما وتبدأ أخرى [3] .

            وهناك ثلاث فئات من العوامل يمكن أن تعوق قدرة النظام والمؤسسة على اكتشاف إشارات الإنذار المبكر، التي تنبئ بوقوع أزمة، هي: حجب [ ص: 62 ] المعلومات المهمة عن الأفراد، الذين يحتـاجون إليها، لذلك لا يتم التعرف على نقاط الضعف؛ ووجود صورة خاطئة أو معتقدات غير صحيحة عن مناعة المؤسسة ضد الأزمات أو قدرتها على كشف إشارات الإنذار؛ وتفتقر بعض المؤسسات كذلك إلى المقدرة على الاستجابة المناسبة لخطر معين [4] .

            2- التصنيف وفقا لدرجة الشدة:

            يتم التمييز بين نوعين من الأزمات، وفقا لدرجة شدة الأزمة: أزمات خفيفة، وأزمات عنيفة.

            الأولى، يكون تأثيرها على البيئة الداخلية والخارجية محدودا، ويسهل التعامل والتعاطي معها وعلاجها.

            والثانية، بالغة الشـدة في تأثيرها، وتدار من خلال العمل على تفتيت الأزمة وتجزئتها إلى أجزائها الرئيسة.

            3- التصنيف وفقا لمعدل التكرار:

            وتصنف الأزمات من حيث تكرارها إلى: أزمات دورية، وأخرى غير دورية. الأولى، تعصف بالنظام والمؤسسة بصورة دورية، في الأغلب نتيجة أسباب خارجية (معظمها اقتصادية).. والثانية، لا ترتبط في حدوثها بأسباب متكررة، وتحدث بصورة عشوائية ومن الصعب توقعها، وتتطلب استخدام نظام فاعل لتوقع الأزمات، حتى تكون نتائجها غير مدمرة ومن أمثلتها: الأزمات الناجمة عن الأحوال الجوية السيئة، والزلازل والبراكين. [ ص: 63 ]

            4- التصنيف وفقا لمستوى الحدوث:

            هناك أزمات تحدث على المستوى الكلي للدولة، وهذا النوع يتطلب جهدا كبيرا لإدارتها ومعالجتها. ومنها أزمات تتعلق بالنظام السياسي، وأزمات تتعلق بالأوضاع الأمنية الداخلية للدولة، أو تتعلق بالأوضاع الأمنية الخارجية، أو بالجانب الاقتصادي، كالأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة، والأزمة الغذائية، أو بالنظام الاجتماعي [5] .

            أما الأزمات على المستوى الجزئي، فهي تحدث على مستوى المنظمة، وتكون تأثيراتها محدودة، وأحيانا لا يكون لها تأثيرات تذكر.

            5- التصنيف وفقا لدرجة التأثير:

            ويتم تصنيف الأزمات كذلك وفقا لدرجة التأثير، فهناك:

            - أزمات ذات تأثير جوهري، تؤثر بصورة واضحة في وظائف النظام، وقد تؤدي إلى تهديد استمرار وجود المنظمة، ومن أمثلة ذلك: أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن المنظمة في أوقات ذروة الإنتاج، وأزمة انقطاع إمدادات خطوط الإنتاج من المواد الخام، وأزمة انقطاع المخزون من الغذاء.

            - وأزمات هامشية عابرة لا تؤدي إلى آثار مدمرة أو جوهرية، مثل: أزمة انقطاع إنتاج سلعة، ثم إيجاد بديل لها بصورة سريعة [6] . [ ص: 64 ]

            - ثانيا: مراحل تطور الأزمات:

            بعد التعرف على أنواع الأزمات، فإنه من الأهـمية بمكان الإشـارة إلى المراحل، التي تمر بها الأزمة.. فهناك دراسات تقول: إن الأزمة تمر بسـبع مراحل، ودراسـات أخرى تذهب إلى أنها تمر بخمس مراحـل، وهو ما يطلق عليه (دوائر الأزمة).

            1- التقسيم السباعي: ويشمل:

            مرحلة ما قبل ميلاد الأزمة (التكوين والتراكم)، ومرحلة الميلاد والنشوء، ومرحلة النمو (اتساع، تطور، تصاعد)، ومرحلة النضج (ذروة الأزمة، نقطة التحول)، ومرحلة الانحسار، ثم مرحلة اختفاء الأزمة وانتهائها، وأخيرا، مرحلة ما بعد الأزمة (مرحلة النقاهة من الأزمة) [7] .

            2- التقسيم الخماسي:

            يميز بين خمس [8] مراحل: اكتشاف إشارات الإنذار المبكر، والاستعداد والوقاية والتخطيط قبل الأزمة، واحتواء الضرر، والحد منه، واستعادة النشاط، والتقييم والتعلم.

            3- الدوائر الخمس:

            هو تقسيم الأزمة من حيث درجة حدتها إلى: الدائرة البيضاء (White Circle)، والدائرة الخضراء (Green Circle)، والدائرة الزرقاء (Blue [ ص: 65 ] Circle)، والدائرة الحمراء (Red Circle)، والدائرة السوداء (Black Circle)

            [9] .

            يتضح مما سبق، أن الأزمات تمر بمراحل، وهي وإن تعددت، إلا أنها تتفق في أنها تبدأ تدرجا ثم تتفاقم، ولذا فهي تستدعي إدارة وقيادة متمكنة ورشيدة تستطيع احتواء الأزمة وتفادي نتائجها.

            - ثالثا: سياسات إدارة الأزمات:

            تشمل سـياسات مواجهة الأزمات، التخطيط لإدارة الأزمات، وسيناريو التفاوض. فالتخطيط عملية منهجية منظمة، تقوم على أسس مقننة، وهي عبارة عن خطط جاهزة قبل حدوث الأزمة، وليس العكس.. فالمجتمع، الذي لا يوجد لديه تخطيـط علمي لإدارة الأزمات مسـبقا قبل حدوثها، إنما يعرض نفسه للوقوع في الكوارث، والأزمات على كافة المستويات. [ ص: 66 ]

            ويقصد بسياسات إدارة الأزمة تحديد المشكلة تحديدا دقيقا، ثم تأتي الفروض العلمية بعد ذلك كحلول مقترحة. ولتعبئة أي مجتمع لمواجهة الأزمات، يجب أن يكون لديه القدرة الكيفية، وهي لا تقتصر على امتلاكه لقدرات عسكرية أو اقتصادية أو بشرية بكثافة وقوة، بل تكمن في كيفية استغلال هذه القدرات الاستغلال الأفضل، ومن الأهمية امتلاك سيناريو للتفاوض مع الأطراف المسببة للأزمة حالما تكون بسبب العنصر البشري [10] .

            أما إدارة الأزمة، من المنظور الاستراتيجي، فهي عملية السيطرة على الحدث ونتائجه، من خلال تقدير موقف التهديد، ومقارنته بالإمكانيات المتاحة، لتدعيم اتخاذ سلسلة القرارات في ظروف استثنائية، تضمن الاستخدام الأمثل لمختلف قوى الدولة الشاملة (سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، عسكرية، أمنية، اجتماعية، إعلامية، تكنولوجية)..كما تتمثل "إدارة الأزمة" في القدرة على التحكم في مواقف الأزمات وإدارتها لصالح الدولة.

            وتقوم سياسات إدارة الأزمة على مجموعة من الآليات والإجراءات [11] ، تتمثل في:

            1- غرفة العمليات:

            توافر غرفة عمليات لإدارة الأزمات، مع امتلاك قدرات على التأثير من خلال وجود نظام اتصالات فاعل وإدراك أهمية إعلام الأزمة، مع أهمية توافر القيادة القادرة على امتصاص الأزمات واستيعابها، وقبول تفويض السلطة، [ ص: 67 ] والوجود الدائم في ساحة أحداث الأزمة، وتبسـيط الإجراءات، بالإضافة إلى التعامل مع الأزمة بالمنهج العلمي السليم.

            2- نظام اتصالي فعال:

            ومن أهم آليات "إدارة الأزمة" وجود الاتصال الفاعل، فتوافر نظام اتصالات فاعل في أثناء الأزمة، هو أحد العناصر الأساسية لنجاح إدارة الأزمات، وذلك على مختلف المستويات، والقدرة على التواصل وتوصيل الأزمة للعالم الخارجي، متى ما أصبحت تهدد الأمن الإنساني والقومي.

            فالاتصال، عملية مطلوبة قبل وأثناء وبعد انقضاء الأزمة. ولاستكمال عملية الاتصال، فإنه من الأهمية وجود نظام "معلومات الأزمة"، وهو القواعد والبرامج والموارد البشرية، لجمع البيانات وفرزها وتحليلها وإيصالها إلى صانع القرارات بالسرعة المطلوبة.

            3- وسائل وتسهيلات النقل والمواصلات:

            كذلك من الإجراءات المهمة، توفير الوسائل اللازمة للنقل والتحرك من مكان لآخر في ظل الأزمات، خاصة الأزمات التي تتطلب عمليات إنقاذ وإغاثة وما يستلزم من تعبيد الطرق لسهولة الوصول والانتقال.

            4- تفويض السلطات:

            ومن السياسات المهمة تفويض السلطة، مما يساعد على التعامل مع الأزمة بدرجة عالية من السرعة والتفاعل، ويوفر الدقة في صناعة القرارات، إذ إن هذه القرارات سوف يجري اتخاذها في ضوء المعطيات، التي تتوفر للقادة الميدانيين، الذين يلامسون الأزمة ويشعرون بها عن كثب، وهو بالتالي يؤدي إلى تحسين جودة القرارات الموجهة لإدارة الأزمات، علاوة على الوجود العلني في قلب الأحداث. [ ص: 68 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية