الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة ، فعله أحمد ، نصره القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ، لأنه عربي وقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وقوله { : وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } المراد الأحكام ، وذكروا رواية بالمنع ، وأطلق غير واحد روايتين وتعليم التأويل مستحب ، ولا يجوز تفسير برأيه من غير لغة ، ولا نقل ، ذكره القاضي وغيره ، واستدلوا بقوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقوله : { لتبين للناس ما نزل إليهم } وعن عبد الأعلى بن جابر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا { من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار } رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وحسنه وعبد الأعلى ضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما ، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره ، [ ص: 557 ] من حديث عبد الأعلى ومن غير حديثه مرفوعا ، وعن سهيل بن حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب مرفوعا { من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي ، وقال غريب وسهيل ضعفه الأئمة ، قال البخاري : يتكلمون فيه .

                                                                                                          وقال ابن معين : صالح ، وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر وعمر ، وغيرهما من الصحابة ، والتابعين رضي الله عنهم قال عمر : نهينا عن التكلف ، وقرأ { وفاكهة وأبا } وقال فما الأب ؟ ثم قال : ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا روى ذلك البخاري ، قال في كشف المشكل : يحتمل أن عمر علم الأب ، وأنه الذي ترعاه البهائم ، ولكنه أراد تخويف غيره من التعرض للتفسير بما لم يعلم ، ويحتمل أنه خفي عليه كما خفي على ابن عباس معنى { فاطر السماوات والأرض } ويحتمل أنه خفي عليه أن هذه الكلمة تقع على مسميين فتورع عن إطلاق القول ، وأصل التكلف تتبع ما لا منفعة فيه ، أو ما لم يؤمر به ، ولا يحصل إلا بمشقة ، وأما ما أمر به أو فيه منفعة فلا وجه للذم ، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات ، وفسر كثير من الصحابة كثيرا من القرآن ، وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، قال . { سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل القرآن يصدق بعضه بعضا ، ولا يكذب بعضه بعضا ، ما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه } إسناد جيد وحديث عمرو حسن ، وروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد ، [ ص: 558 ] عن أيوب ، عن أبي مليكة أن الصديق قال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، وأين أذهب ، أو كيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله ؟ .

                                                                                                          وروى ابن وهب عن يونس ، عن الزهري أن أبا بكر حدث رجلا بحديث ، فاستفهمه الرجل ، فقال الصديق : هو كما حدثتك ، أي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم ؟ وروي نحوه من غير وجه ، وذكر أبو الخطاب في التمهيد وغيره يكره ، وعن عائشة قالت : { ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من القرآن شيئا إلا آيات علمهن إياها جبريل عليه السلام } إسناده ضعيف ، رواه أبو بكر عبد العزيز وابن جرير وقال : إن هذه الآيات لا تعلم إلا بالتوقيف عن الله ، فأوقفه عليها جبريل . ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابة ، لأنهم شاهدوا التنزيل ، وحضروا التأويل ، فهو أمارة ظاهرة ، وقدمه أبو الخطاب وغيره ، وأطلق أبو الحسين وغيره روايتين إذا لم نقل : قول الصحابي حجة .

                                                                                                          وقال القاضي وغيره إن قلنا : قوله حجة لزم قبوله ، وإلا : فإن نقل كلام العرب في ذلك صير إليه ، وإن فسره اجتهادا أو قياسا على كلام العرب لم يلزم ، ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعي .

                                                                                                          وقال بعضهم : ولعل مراده غيره ، إلا أن ينقل ذلك عن العرب ، وأطلق أبو الحسين وغيره ، وأطلق ابن عقيل في الواضح روايتين : الرجوع ، وعدمه .

                                                                                                          وقال شيخنا : قول أحمد في الرجوع إلى قول التابعي عام في التفسير وغيره ، نقل أبو داود إذا جاء التفسير عن الرجل من التابعين لا يوجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم الأخذ به ، ونقل المروذي ينظر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 559 ] فإن لم يكن فعن الصحابة ، فإن لم يكن فعن التابعين ، قال القاضي ويمكن حمله على إجماعهم ، وإذا قال الصحابي ما يخالف القياس فهو توقيف ، وفاقا للحنفية ، وقيل لا ، وفاقا للشافعية ، وإن قاله التابعي فليس بتوقيف ، وذكر صاحب المحرر وغيره بلى ، ويتوجه تخريجه على رواية من جعل تفسيره كتفسير الصحابي ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية