الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أراد رب المال أن يدفع ابن لبون ذكرا إذا لم يكن في المال بنت مخاض ولا ابن لبون ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك إلى الساعي إن أراد أخذه أخذه ، وإلا ألزمه بابنة مخاض وليس له أن يمتنع من ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال مالك في الإبل : مثل أن يكون للرجل مائتا بعير فيكون فيها خمس بنات لبون أو أربع حقاق ، فقال لي مالك : إذا كانت السنان جميعا في الإبل كان المصدق مخيرا في أي السنين شاء أن يأخذ أخذ إن شاء خمس بنات لبون وإن شاء أربع حقاق ، فإذا لم يكن إلا سنا واحدا لم يكن للساعي غيرها ، ولم يجبر رب المال على أن يشتري له السن الأخرى ، قال مالك : وإذا لم يكن في الإبل السنان جميعا فالساعي مخير في أي ذلك شاء كان على رب المال أن يأتيه به على ما أحب رب المال أو كره يجبر على ذلك ، قال : والساعي مخير في ذلك إن شاء أخذ أربع حقاق وإن شاء خمس بنات لبون ، وكذلك قال مالك قلت : هل كان مالك يأمر بأن يعاد في الغنم بعد عشرين ومائة من الإبل إذا أخذ منها حقتان فزادت ؟ فقال : لم يكن مالك يقول : يرجع في الغنم إذا صارت الفريضة في الإبل لم يرجع إلى الغنم ، إلا أن ترجع الإبل إلى أقل من فريضة الإبل فيرجع إلى الغنم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فما زاد على [ ص: 352 ] عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة } . وهو صلى الله عليه وسلم ابتدأ الفرض من خمس ، وقاله عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                                      قال أشهب وقال عمر : في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة ، فإنما قال فدونها الغنم ، ثم قال : وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض ، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين ابنة لبون ، حتى انتهى إلى عشرين ومائة في تسمية أسنان الزكاة ، قال : فما زاد على عشرين ومائة من الإبل ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ولم يقل : فما زاد على ذلك ففي كل خمس شاة إلى أربع وعشرين كما ابتدأ به الصدقة . قال سحنون ، وقاله النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي ابتدأ تبيين الفريضة وسنتها .

                                                                                                                                                                                      قلت : أليس إنما يأخذ مالك في صدقة الإبل والغنم بما في كتاب عمر الذي زعم مالك أنه قرأه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت قولهم : في عشرين ومائة حقتان فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، إنما يعني بالزيادة ما زاد على عشرين ومائة فيها الحقتان في الإبل كما هي ؟ فقال : لا ولكن تسقط الحقتان ويرجع إلى أصل الإبل ، وتلغي الفريضة الأولى الحقتان اللتان وجبتا فيها إذا زادت على عشرين ومائة واحدة فصاعدا ، ويرجع إلى الأصل فيأخذ من كل أربعين ابنة لبون ومن كل خمسين حقة .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن زادت على عشرين ومائة واحدة ؟ فقال : المصدق مخير إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم ، وكان ابن شهاب يخالف مالكا في هذه المسألة ويقول : إذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة ، وفي ثلاثين ومائة : حقة وابنتا لبون ، ففي ثلاثين ومائة يتفق قول ابن شهاب ومالك ويختلفان فيما بين إحدى وعشرين ومائة إلى تسعة وعشرين ومائة ، لأن مالكا يجعل المصدق مخيرا إن شاء أخذ حقتين وإن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وابن شهاب كان يقول : ليس المصدق مخيرا ولكنه يأخذ ثلاث بنات لبون ، لأن فريضة الحقتين قد انقطعت . قال ابن القاسم : ورأيي على قول ابن شهاب لأن ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن عمر بن الخطاب إذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، فأرى فيها ثلاث بنات لبون على كل حال كانت ثلاث بنات لبون في الإبل أو لم تكن كان فيها السنان جميعا أو لم تكن إلا إحداهما أو لم يكونا فيها جميعا فذلك عندي سواء كله وعلى رب الإبل أن يأتيه بثلاث بنات لبون على ما أحب ، أو كره ، وليس للساعي أن يأخذ إلا ثلاث بنات لبون وإن أراد أخذ الحقتين فليس له ذلك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية