الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الجعائل في البعوث أيجوز هذا أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سألنا مالكا عن هذا فقال لا بأس به ، لم يزل الناس يتجاعلون بالمدينة عندنا يجعل القاعد للخارج ، قال : فقلنا لمالك : ويخرج لهم العطاء ؟

                                                                                                                                                                                      قال مالك : ربما خرج لهم وربما لم يخرج لهم ، قلت : فهذا الذي ذكر مالك أنه لا بأس به ، فالجعائل بينهم لأهل الديوان منهم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : فلو جعل رجل من أهل الديوان لرجل من غير أهل الديوان شيئا على أن يغزو عنه ؟ قال : ما سمعت من مالك فيه شيئا ولا يعجبني .

                                                                                                                                                                                      قال : ولقد سألنا مالكا عن الرجل يأتي عسقلان وما أشبهها غازيا ولا فرس معه ، فيستأجر من رجل من أهلها فرسا يغير عليه أو يرابط عليه ؟ فكره ذلك ولم يعجبه أن يعمد رجل في سبيل الله معه فرس فيؤاجره ، قيل لمالك : فالقوم يغزون فيقال لهم من يتقدم إلى الحصن وما أشبهه من الأمور التي يتعب فيها نفسه وله كذا وكذا ، فأعظم ذلك وابتدأنا فيه بالكراهية من أن يقاتل أحد على مثل ذلك هذا ، أو يسفك فيه دمه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الذي قلت لي إن مالكا كره للرجل يكون بعسقلان فيؤاجر فرسه ممن يحرس عليه ، لا يشبه الذي جعل لغيره على الغزو ؟ فقال : هذا أيسر عندي في الفرس منه في الرجل ، ألا ترى أن مالكا قال : يكره للرجل أن يؤاجر فرسه في سبيل الله ، فهو إذا آجر نفسه هو أشد كراهية ، ألا ترى أن مالكا قد كره للذي يعطيه الوالي على أن يقدم للحصن فيعاض فكره له على هذا الجعل فهذا يدلك ، قلت : فلم جوز مالك لأهل العطاء يتجاعلون بينهم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك وخدماتهم لأنها مباعث مختلفة ، وإنما أعطوا أعطياتهم على هذا وما أشبهه فأهل الديوان عندي مخالفون لمن سواهم . قال : والذي يؤاجر نفسه في الغزو إن ذلك لا يجوز في قول مالك وهو رأيي أنه لا يجوز ، وأما أهل الديوان فيما بينهم فليس تلك إجارة ، إنما تلك جعائل لأن سد الثغور عليهم وبهذا مضى [ ص: 528 ] أمر الناس .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن عمرو المعافري عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول : لا بأس بالطوى من مأحوز إلى مأحوز إذا ضمنه الإنسان ابن وهب عن ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد قال في الطوى : لو أن رجلا قال لرجل : خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك دينارا أو بعيرا أو شاة فلا بأس به ، وقال الليث مثله ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح قال : يكره من الطوى أن يعقد الرجلان الطوى قبل أن يكتتبا في البعثين اللذين يتطاويان فيهما ، وذلك أن يقول الرجل للرجل قبل الطوى اكتتب في بعث كذا وكذا وأنا أكتتب في بعث كذا وكذا ثم يتعاقدان على ذلك ، وأما الطوى بعد الكتابة فلم أسمع أحدا ينكر ذلك إلا الرجل الذي يقف نفسه ينتقل من مأحوز إلى مأحوز التماس الزيادة في الجعل . ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة ، أنه كان يقول : لا نرى بأسا بالطوى من مأحوز إلى مأحوز .

                                                                                                                                                                                      سحنون .

                                                                                                                                                                                      قال الوليد وحدثني أبو عمرو الأوزاعي وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مكحول : أنه كان لا يرى بالجعل في القبيلة بأسا . قال ابن جابر : سمعت مكحولا وهو يقول : إذا هويت المغزى فاكتتبت فيه ففرض لك فيه جعل فخذه ، وإن كنت لا تغزو إلا على جعل مسمى فهو مكروه . قال ابن جابر : فكان مكحول إذا خرجت البعوث أوقع اسمه في المغزى بهواه ، فإن كان له فيه جعل لم يأخذه وإن كان عليه أداه . قال الوليد : وحدثني ابن لهيعة عن ابن ميسرة عن علي بن أبي طالب ، أنه قال في جعيلة الغازي : إذا جعل رجل على نفسه غزوا فجعل له فيه جعل فلا بأس به ، وإن كان إنما يغزو من أجل الجعل فليس له أجر . ابن وهب عن ابن لهيعة عن حيوة بن شريح عن حصين بن علي الأصبحي عن الصحابة ، أنهم قالوا : يا رسول الله أفتنا عن الجاعل والمجتعل في سبيل الله ، فقال : { للجاعل أجر ما احتسب وللمجتعل أجر الجاعل والمجتعل } . ابن وهب عن الليث بن سعد ، أن قيس بن خالد المدلجي يحدث عن عبد الرحمن بن وعلة الشيباني أنه قال : قلت لعبد الله بن عمر : إنا نتجاعل في الغزو فكيف ترى ؟

                                                                                                                                                                                      قال عبد الله بن عمر : أما أحدكم إذا أجمع على الغزو فعرضه الله رزقا فلا بأس بذلك ، وأما أحدكم إن أعطي درهما غزا وإن منع درهما مكث فلا خير في ذلك .

                                                                                                                                                                                      حيوة بن شريح عن زرعة بن معشر عن تبيع ، أن الأمداد قالوا له : ألا تسمع ما يقول لنا الربطاء ، يقولون : ليس لكم أجر لأخذكم الجعائل ، فقال : كذبوا والذي نفسي بيده إني لأجدكم في كتاب الله كمثل أم موسى أخذت أجرها وآتاها الله ابنها . ابن وهب عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجيلي ، وعمرو بن بكر عن تبيع مثله . سحنون عن الوليد قال : أخبرني أبو بكر عن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلابي قال : خرج على الناس بعث في زمن عمر بن الخطاب غرم فيه القاعد مائة دينار .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية