الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنها : إذا قتل رجلا عمدا ثم قتل القاتل قال أحمد في رواية ابن ثوب في رجل قتل رجلا عمدا ثم قتل الرجل خطأ لهم الدية قيل له وإن قتل عمدا قال وإن قتل عمدا فقيل له فإن قوما يقولون إنه إذا قتل إنما كان لهم دمه وليس لهم الدية قال ليس كذلك الحديث إن أولياءه بالخيار إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا قبلوا الدية فقد نص على أن القاتل إذا قتل تعينت الدية في تركته وعلل بأن الواجب بقتل العمد أحد شيئين وقد فات أحدهما فتعين الآخر .

وهذا يدل على أنه لا يجب شيء إذا قلنا الواجب القود عينا وهذا يقوى على قولنا إن الدية لا تثبت إلا بالتراضي .

وخرج الشيخ تقي الدين وجها آخر وقواه أنه يسقط الدية بموت القاتل أو قتله بكل حال معسرا كان أو موسرا وسواء قلنا الواجب القود عينا أو أحد شيئين ; لأن الدية إنما تجب بإزاء العفو وبعد موت القاتل لا عفو ، فيكون موته كموت العبد الجاني والعجب من القاضي في خلافه كيف حمل هذه الرواية على أن أولياء المقتول الأول يخيرون في القاتل الثاني بين أن يقتصوا منه أو يأخذوا الدية وتبعه على ذلك صاحب المحرر فحكاه رواية ومن تأمل لفظ الرواية علم أنها لا تدل على ذلك ألبتة .

وقال القاضي أيضا في خلافه الدية واجبة في التركة سواء قلنا الواجب أحد شيئين أو القصاص عينا وكلام أحمد يدل على خلاف ذلك كما رأيته وكذلك نص عليه في رواية ابن القاسم في الرجل يقتل عمدا ثم يقدم ليقاد منه فيأتي رجل فيقتله قال الولي الأول بالخيار إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية فلما ذهب الدم فينظر إلى أولياء هذا المقتول الثاني فإن هم أخذوا الدية من القاتل الأخير فقد صار ميراثا من [ ص: 310 ] ماله ثم يعود أولياء الدم الأول فيأخذونها منهم بدم صاحبهم وكذلك نقل أبو الخطاب عن أحمد وقال إذا فاته الدم أخذ الدية من ماله إن كان له مال ; لأنه مخير إن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا وهذا كله تصريح بالحكم والتعليل وجعل المطالبة بالدية لأولياء القاتل الأول ; لأن الدية في ماله .

وخرج صاحب المغني وجها أن المطالبة لقاتل القاتل ; لأنه لو فوت محل الحق فهو كما لو قتل العبد الجاني وللأصحاب وجهان فيما إذا قتل الجاني بعض الورثة حيث لا ينفرد بالاستيفاء هل الباقين حصتهم من الدية في مال الجاني أم على المقتص على وجهين وعلى الأول يرجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق حقه .

ونقل صالح وابن منصور عن أحمد في رجل قتل رجلا فقامت البينة عند الحاكم فأمر بقتله فعدا بعض ورثة المقتول فقتل الرجل بغير أمر الحاكم .

فقال هذا قد وجب عليه القتل ما للحاكم هاهنا وظاهر هذا أنه لا يلزمه ضمان ; لأنه استوفى الحق لنفسه ولشركائه ولا سيما إن قلنا الواجب بقتل العمد القود عينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية