الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            462 - ( وعن ابن مسعود قال : { جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء } رواه ابن ماجه ، وقال : جدب : يعني زجرنا عنه ، نهانا عنه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح ، وقد أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي ولم يتعقبه بما يوجب ضعفا . وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود نحوه من وجه آخر بلفظ { : لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين : مصل أو مسافر } ، ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من حديث عائشة مرفوعا بلفظ : { لا سمر إلا لثلاثة : مصل أو مسافر أو عروس } .

                                                                                                                                            قوله : ( جدب ) هو بجيم فدال مهملة مفتوحتين فباء كمنع وزنا ومعنى . ومنه سنة مجدبة أي ممنوعة الخير . والحديث يدل على كراهة السمر بعد العشاء وسيأتي الخلاف في ذلك .

                                                                                                                                            463 - ( وعن عمر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه } . رواه أحمد والترمذي ) . الحديث حسنه الترمذي أيضا وأخرجه النسائي ورجاله رجال الصحيح ، وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عبد الله بن عمر عند البخاري ومسلم ، وقد ذكرنا لفظه في شرح حديث أبي برزة ، وعن أوس بن حذيفة أشار إليه الترمذي .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس وسيأتي الحديث . استدل به على عدم كراهة السمر [ ص: 20 ] بعد العشاء لحاجة قال الترمذي : وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج ، وأكثر الحديث على الرخصة ، وهذا الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة ، وحديث أبي برزة وابن مسعود وغيرهما على الكراهة . وطريقة الجمع بينهما بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه ، وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين .

                                                                                                                                            قال النووي : واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير . قيل : وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة . أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار ، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك ، ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات .

                                                                                                                                            464 - ( وعن { ابن عباس قال : رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قال : فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، } وساق الحديث . رواه مسلم ) . الحديث استدل به من قال بجواز السمر مطلقا ; لأن التحدث الواقع منه صلى الله عليه وسلم لم يقيد بما فيه طاعة ولا بأس بتقييده بما فيه طاعة جمعا بين الأدلة كما سبق أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، وللإشعار بالمنع من حمل الأدلة القاضية بمنع السمر على التحريم ، ويمكن أن يقال : إن العلة التي ذكرناها للكراهية منتفية في حقه صلى الله عليه وسلم لأمنه من غلبة النوم وعروض الكسل ويجاب بمنع أمنه من غلبة النوم مسندا بنومه في الوادي وأما أمنه من عروض . الكسل فمسلم إن لم يكن ذلك في الأمور العارضة ، لطبيعة الإنسان الخارجة عن الاختيار .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية