الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب استحباب الصلاة في ثوبين وجوازها في الثوب الواحد

                                                                                                                                            534 - ( عن أبي هريرة { أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد ، فقال : أولكلكم ثوبان ؟ } . رواه الجماعة إلا الترمذي زاد البخاري في رواية : ثم سأل رجل عمر فقال : إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه ، صلى رجل في إزار ورداء ، في إزار وقميص ، في إزار وقبا ، في سراويل ورداء ، في سراويل وقميص ، في سراويل وقبا ، في تبان وقبا ، في تبان وقميص . قال : وأحسبه قال : في تبان ورداء ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( إن سائلا ) ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط أن السائل ثوبان .

                                                                                                                                            قوله : ( أولكلكم ثوبان ) قال الخطابي : لفظه استخبار ومعناه الإخبار على ما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى ، كأنه يقول : إذا علمتم أن ستر العورة فرض ، والصلاة لازمة ، وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن [ ص: 88 ] الصلاة في الثوب الواحد جائزة ، أي مع مراعاة ستر العورة . وقال الطحاوي : معناه : لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا ا هـ .

                                                                                                                                            قال الحافظ : وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره ، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة .

                                                                                                                                            قوله : ( ثم سأل رجل عمر ) يحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه اختلف هو وأبي بن كعب فقال أبي : الصلاة في الثوب الواحد غير مكروهة ، وقال ابن مسعود : إنما كان ذلك وفي الثياب قلة ، فقام عمر على المنبر فقال : القول ما قال أبي ولم يأل ابن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق .

                                                                                                                                            قوله : ( جمع رجل ) هذا من قول عمر وأورده بصيغة الخبر ، ومراده الأمر . قال ابن بطال : يعني ليجمع وليصل . وقال ابن المنير : الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال : إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصور . قال ابن مالك : تضمن هذا فائدتين . الأولى : ورود الماضي بمعنى الأمر في قوله صلى والمعنى ليصل والثانية : حذف حرف العطف ، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : { تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره } .

                                                                                                                                            قوله : ( في سراويل ) قال ابن سيده : السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث ، ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير ، والأشهر عدم صرفه .

                                                                                                                                            قوله : ( وقبا ) بالقصر وبالمد . قيل : هو فارسي معرب ، وقيل : عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك سمي بذلك لانضمام أطرافه .

                                                                                                                                            قوله : ( في تبان ) التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة ، وهو على هيئة السراويل . إلى أنه ليس له رجلان وهو يتخذ من جلد .

                                                                                                                                            قوله : ( وأحسبه ) القائل أبو هريرة والضمير في أحسبه راجع إلى عمر ، ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة ، ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره ، فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة ، وقدم أسترها وأكثرها استعمالا لهم ، وضم إلى كل واحد واحدا فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة ، ولم يقصد الحصر في ذلك بل يلحق به ما يقوم مقامه . والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة ، ولم يخالف في ذلك إلا ابن مسعود ، وقد تقدم ذلك ، وتقدم قول النووي : لا أعلم صحته ، وتقدم الإجماع على أن الصلاة في ثوبين أفضل ، صرح بذلك القاضي عياض وابن عبد البر والقرطبي والنووي ، وفي قول ابن المنذر : واستحب بعضهم الصلاة في ثوبين إشعار بالخلاف .

                                                                                                                                            535 - ( وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متوشحا به } . متفق عليه ) . الحديث أخرجه مسلم من رواية سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر ومن رواية عمرو بن الحارث ، عن أبي الزبير ، ورواه أبو داود من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه ، قال : " أمنا جابر " الحديث ولم يخرجه البخاري من حديث جابر بهذا [ ص: 89 ] اللفظ الذي ذكره المصنف ، بل أخرج نحوه من حديث عمر بن أبي سلمة الذي سيأتي .

                                                                                                                                            قوله : ( متوشحا به ) قال ابن عبد البر حاكيا عن الأخفش : إن التوشح هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر ، قال : وهذا التوشح الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به . والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا توشح به المصلي ، وقد تقدم الكلام في ذلك .

                                                                                                                                            536 - ( وعن عمر بن أبي سلمة قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحا به في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقيه } . رواه الجماعة ) . قوله : ( متوشحا به ) في البخاري والترمذي " مشتملا " . وفي بعض روايات مسلم " ملتحفا " به وقد جعلها النووي بمعنى واحد ، فقال : المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناه واحد هنا ، وقد سبقه إلى ذلك الزهري ، وفرق الأخفش بين الاشتمال والتوشح فقال : إن الاشتمال هو أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه ويرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر ، قال : والتوشح وذكر ما قدمناه عنه في شرح الحديث الذي قبل هذا ، وفائدة التوشح والاشتمال والالتحاف المذكورة في هذه الأحاديث أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود ، قاله ابن بطال .

                                                                                                                                            قوله : ( قد ألقى طرفيه على عاتقيه ) قد تقدم الكلام في ذلك . والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة إذا توشح به المصلي أو وضع طرفا على عاتقه أو خالف بين طرفيه ، وقد تقدم الكلام في ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية