الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            827 - ( وعن عبد الله بن عمرو { أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وذكره البخاري تعليقا . وروى أحمد هذا المعنى من حديث المغيرة بن شعبة . وعن ابن عباس قال : النفخ في الصلاة كلام . رواه سعيد بن منصور في سننه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا الترمذي ، ولفظ أبي داود : { ثم نفخ في آخر سجوده فقال : أف ، أف ، ثم قال : يا رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ؟ ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انمحصت الشمس } وفي إسناده عطاء بن السائب ، وقد أخرج له البخاري مقرونا ، وأثر ابن عباس أخرجه أيضا عبد الرزاق

                                                                                                                                            قوله : ( نفخ في صلاة الكسوف ) النفخ في أصل اللغة : إخراج الريح من الفم كما في القاموس وغيره وقد فسر في الحديث بقوله : أف ، أف وقد استدل بالحديث من قال إن النفخ لا يفسد الصلاة . واستدل من قال إنه يفسد الصلاة بأحاديث النهي عن الكلام ، والنفخ كلام كما قال ابن عباس

                                                                                                                                            وأجيب بمنع كون النفخ من الكلام لما عرفت من أن الكلام متركب من الحروف المعتمدة على المخارج ولا اعتماد في النفخ . وأيضا الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة كما تقدم ، ولو سلم صدق اسم الكلام على النفح كما قال ابن عباس لكان فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في الصلاة مخصصا لعموم النهي عن الكلام . واستدلوا أيضا بما رواه الطبراني في الكبير [ ص: 374 ] عن زيد بن ثابت قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب } ، ولا تقوم به حجة لأن في إسناده خالد بن إلياس وهو متروك وقال البيهقي : حديث زيد بن ثابت مرفوعا ضعيف بمرة واستدلوا أيضا بما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كره أن ينفخ بين يديه في الصلاة أو في شرابه } . قال زين الدين العراقي : وفي إسناده غير واحد متكلم فيه .

                                                                                                                                            واستدلوا أيضا بما رواه البزار في مسنده عن أنس بن مالك قال : " ثلاثة من الجفاء : أن ينفخ الرجل في سجوده ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، قال البزار : ذهبت عني الثالثة " وفي إسناده خالد بن أيوب وهو ضعيف .

                                                                                                                                            ولأنس حديث آخر عند البيهقي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ألهاه شيء في صلاته فذلك حظه والنفخ كلام } وفي إسناده نوح بن أبي مريم وهو متروك الحديث لا يحتج به .

                                                                                                                                            وروى البزار من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده } . قال العراقي : ورجاله رجال الصحيح ، ورأيت بخط الحافظ على كلام زين الدين ما لفظه : قوله : ورجاله رجال الصحيح ، ليس بصحيح ا هـ . وقال البزار : لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه إلا سعيد بن عبيد الله . ورواه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه وقال : لا يروى عن بريدة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو عبيدة الحداد عن سعيد بن حبان . قال العراقي : لم ينفرد به عنه بل تابعه عليه عبد الله بن داود الخريبي .

                                                                                                                                            وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليسو موضع سجوده ولا يدعه حتى إذا أهوى ليسجد نفخ ثم سجد } وفي إسناده عبد المنعم بن بشير وهو منكر الحديث

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى كراهة النفخ ابن مسعود وابن عباس . وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلاما وكرهه من التابعين النخعي وابن سيرين والشعبي وعطاء بن أبي رباح وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن أبي الهذيل ويحيى بن أبي كثير ، وروي أيضا عن سعيد بن الزبير ، ورخص فيه من الصحابة قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي كما رواه البيهقي عنه

                                                                                                                                            وقالت الشافعية والهادوية : إن بان منه حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا . ورواه ابن المنذر عن مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأجابوا عن حديث عبد الله بن عمرو بأن قوله : " أف لا يكون كلاما حتى يشدد الفاء فيكون ثلاثة أحرف " كذا قال الخطابي . قال ابن الصلاح : ما ذكره لا يستقيم على أصلنا لأن حرفين كلام مبطل وأجاب البيهقي : بأن هذا نفخ يشبه الغطيط وذلك لما عرض عليه من تعذيب بعض من وجب عليه العذاب .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية