الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني في شروطها ، وهي ستة : الشرط الأول : النصاب ، وفي ( الكتاب ) : من نقصت حصته عن النصاب فلا زكاة عليه ، فإن أخذ الساعي منهما فإنهما يترادان إن كان الجميع نصابا .

                                                                                                                لنا أن النصاب هو السبب ، ولا زكاة مع عدم السبب ، وأما التراجع فلأن [ ص: 128 ] الساعي حاكم أخذه كحكم الحاكم إذا اتصل بمواقع الخلاف ، وتعين ما حكم به ، وقال ( ش ) : إذا كان لأربعين أربعون شاة زكوا زكاة الخلطة . لأن الخلطة تصير الأموال كمال ، وأخذه قياسا على الحوائط المحبسة على غير المعينين ، والجواب عن الأول : إنما نسلمه بعد تحقق النصاب ، وعن الثاني : أن الجميع على ملك الواقف وهو واحد ، ويتخرج على قول عبد الملك : إن صاحب النصاب يزكي بحساب الخلطة دون ناقص الملك عن النصاب ، كما قال في العبد والذمي ، فإن كان لأحدهما أربعون ، وللآخر دونها ، فلا يرجع صاحب الأربعين عليه ; لأنه لم يدخل عليه مضرة ، قال الباجي : ويحمل عندي : إذا قصد الساعي أحدها منهما أن يرجع عليه ، فلو كان الجميع دون النصاب فلا يرجع ; لأنها مظلمة إجماعا : بل يرجع بها على من أخذها ، وفي ( الكتاب ) : لو كان لأحدهما أربعون وللآخر خمسون ، وللثالث شاة فأخذها الساعي ، يرجع عليهما بقيمتها ، إلا أن تكون من كرائم الأموال فليسقط ما زاد على قيمة المجزئ إلا أن يأخذها برضاهما ، وإذا كان لأحدهما مائة وعشرة ، وللآخر أحد عشر تراجعا قيمة الشاتين لإدخال صاحب القليل المضرة على صاحب الكثير ، فلو كان له ألف شاة أو أقل وللآخر أربعون فأكثر تراجعا ، قال سند : شأن الساعي أن لا يأخذ إلا شاة من الأكثر دون الأحد عشرة ، فإن أخذ شاتين فهو قول قائل فلا يختص أحدهما بالثانية .

                                                                                                                قال ابن القاسم : وصفة التراجع : أن يتراجعا على عدد غنمهما أخذتا منهما ومن أحدهما . وقال ابن عبد الحكم : يختص التراجع بالشاة الثانية ، وفي ( الجواهر ) : إذا تراجعا بالقيمة فيوم الأخذ عند ابن القاسم ، ويوم الوفاء عند أشهب نظرا إلى أنه كالمستهلك والمستسلف ، الشرط الثاني : الحول ، وفي ( الجواهر ) : إذا حال حول أحدهما دون الآخر زكى زكاة المنفرد ، كما لو كان خليطه [ ص: 129 ] بغير الجنس ، وعند عبد الملك : يزكي زكاة الخليط فيما بيديه ، ويسقط عن خليطه ما يتوبه .

                                                                                                                لنا : قوله عليه السلام ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) ولا تشترط الخلطة في جميع الحول بل آخره كشهرين أو أقل بيسير ، قاله في ( الكتاب ) ، وقال ابن حبيب : الشهر ، وقال ابن المواز : يجوز الاجتماع والافتراق في ما دون الشهر ما لم يقرب جدا ، وقيل ذلك غير محدود ، بل يتجنب مورد النهي ، هذا كله إذا كان الافتراق والاجتماع منقصا للزكاة ، وإلا فيزكيان على ما يوجدان عليه ، وقال ( ش ) وابن حنبل : يشترط جميع الحول .

                                                                                                                لنا : أن الحديث لم يتعرض له فلا يشترط ، ولأنهما لو اجتمعا أوله وافترقا آخره فلهما حكم الافتراق ، فكذلك عكسه ، قال في ( الكتاب ) : لو أصدق ماشية بعينها فلم تقبضها المرأة حتى حال الحول عليها عند الزوج فطلقها قبل البناء ومجيء الساعي ، ثم أتى ولم يقتسماها أو خلطاها بعد القسمة ، زكى زكاة الخليطين ، وقال ( ش ) : وإن لم يقتسما بنيا على الحول ، وإن اقتسما استأنفا الحول ، ومنشأ الخلاف : هل ملك الزوج النصف الراجع بالطلاق ، أو هو باق على أصل ملكه ؟ قال سند : وهو المذهب ، وعليه تخرج الفوائد ، فالمخالف يراها للزوجة ، والمذهب أنها بينهما ، وقال أشهب : يستأنف الزوج الحول ، فإن عادت على أصل ملكه لما للمرأة من القلة ، فإن أتى قبل القسمة وهما غير خليطين ، قال سند : فيه نظر ; لأن النية إنما [ ص: 130 ] تشترط في ابتداء الخلطة ، وهما بالطلاق شريكان كالورثة ، وهم خلطا ، وإن لم يقصدوا الخلطة . الشرط الثالث ، قال سند : أهلية الزكاة في كل واحد منهما ، فلو كان أحدهما ذميا أو رقيقا فلا خلطة ، خلافا لعبد الملك . الشرط الرابع : النية ، قال سند : اعتبرها مالك ; لأنه معنى يغير موجب الحكم فيفتقر إلى النية كالاقتداء في الصلاة ، خلافا لأشهب ، محتجا بحصول الرفق المقصود وإن عدمت النية ، الشرط الخامس : اتحاد نوع الماشية فلا بد أن تكون كلها غنما أو إبلا أو بقرا ، أما إذا اجتمع نوعان زكيا زكاة المنفرد ، الشرط السادس : قال سند : لا تشترط الخلطة في جملة أسباب الرفق التي هي : الراعي ، والمسرح ، والمراح ، والفحل ، والمبيت ، والدلو الذي يورد به الماء ، والخلاف عند الشافعية خلافا لنا فيه ، والمراح : الذي ترجع الماشية إليه وتجمع فيه للانصراف ، وقيل : موضع الإقالة ، فلا يشترط اجتماع الجملة لعدم دلالة الدليل عليه ، ولحصول الرفق في بعضها ، وقال في ( الكتاب ) : يكفي بعضها من غير تعيين ، وقال ابن القاسم وأشهب : لا بد من الاجتماع على أكثر الأوصاف ، ولأن الأقل تبع للأكثر ، لا سيما في الزكاة ، وقال ابن حبيب : الراعي وحده كاف تشبيها له بالإمام في الصلاة في تغيير حكم الجميع ، وقال أيضا الراعي والمرعى ; لأن اجتماعهما يوجب اجتماع الفحل ، وقال الأزهري : يكفي أي صفتين كانتا ، يريد من الدلو ، والراعي ، والفحل ، والمراح ، والمبيت .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية