الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                البحث السادس : فيما يجب علينا بمقتضى العقد في ( الجواهر ) : هو وجوب الذب عنهم ، وصيانة أنفسهم وأموالهم ، وترك كنائسهم وخمورهم وخنازيرهم ، فإن أظهروا خمرا أهرقناها ، وإلا فيضمنها المسلم ، وقيل : لا يضمن ولو غصبها وجب ردها ، ويؤدب من أظهر الخنزير ، ولو باع الأسقف عرصة أو حانوتا من كسبه جاز إن كان البلد صلحا ، ولم يجز إن كان عنوة ، ولا يجوز في أحباسهم إلا ما يجوز في أحباسنا ، ولا يحكم حاكم المسلمين في منع بيع الكنائس ولا برده ولا يعاد [ ص: 458 ] جنسها ; لأن التصحيح خلاف الشرع والإبطال خلاف العقد ، وإن اتفقوا في التحاكم إلينا فالحاكم مخير بين الحكم والترك ، وقيل : لا يحكم بينهم إلا برضا أساقفتهم ; لأنه فساد عليهم ، ومستند المذهب قوله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) [ المائدة 42 ] ومتى تعلقت الحكومة بمسلم وجب الحكم تغليبا للإسلام ، قال يحيى بن عمر : وكذلك مختلفا الملة لعدم اتحاد الأساقفة فليس أحدهما أولى من الآخر فيسقطون ، فإن ترافعوا إلينا في التظلم حكمنا بينهم على كل حال للزوم ذلك إلينا بالإسلام ، ولهم بالعقد ; لأنه من الذب عنهم .

                                                                                                                البحث السابع : فيما يلزمهم بمقتضى العقد ، وهو ثلاثة أنواع :

                                                                                                                النوع الأول : الكنائس لا يمكنون من بنائها في بلد بناها المسلمون أو ملكوها عنوة ويجب نقض كنائسها ، فإن فتحت صلحا على أن يسكنوها بالخراج ورقاب الأبنية للمسلمين ، وشرطوا إبقاء كنيسة جاز ، وإن شرطوا الدار لهم وعليهم خراج ، ولا تنقض الكنائس فذلك لهم ، ثم يمنعون من رمها خلافا ل ( ش ) ، قال عبد الملك : إلا أن يكون ذلك شرطا ، والمدرك : أنها من المنكرات ، والعين التي تناولها العقد قد انهدمت ، والعود لم يتناوله العقد فهو منكر تجب إزالته ، ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة ، وقيل : لهم الترميم ; لأنه من جملة أغراضهم الملزمة كعصير الخمر ، وإن اشترط أهل الصلح إحداث كنيسة ، قال عبد الملك : هذا الشرط باطل ، إلا في بلدهم الذي لا يسكنه المسلمون معهم فهو لهم ، وإن لم يشترطوه ، وأما أهل العنوة فلا يمكنون من ذلك ، وإن كانوا معتزلين عن بلادنا ; لأن قهرنا لهم أزال ذلك والتمكن منه فلا نعيده ، ولا يمنع أهل الصلح من إظهار الخمر والناقوس ونحوه داخل كنائسهم ، ويمنعون خارجها ، ومن حمل الخمر من قرية إلى قريتهم التي يسكنونها مع المسلمين منع ، وتكسر الخمر إن ظهرنا عليها ، [ ص: 459 ] وإن قالوا : لا نبيعها من مسلم ، وإن أظهروا ناقوسا كسرناه ، وإن وجدنا سكرانا أدبناه ، وإن أظهروا صلبهم في عيد أو استسقاء كسرناها وأدبناهم ، ويخفون أصوات نواقيسهم وقراءتهم في كنائسهم .

                                                                                                                النوع الثاني : يمنعون من ركوب البغال والخيل النفيسة دون الحمير بالأكف عرضا دون السروج ، إما لأنه شرط في العقد ، أو لأن الصغار يأبى ذلك .

                                                                                                                النوع الثالث : يمنعون من جادة الطريق ، ويضطرون إلى المضيق إذا لم يكن الطريق خاليا ، لما يروى عنه عليه السلام : ( لا تبدءوهم بالسلام ، وألجئوهم إلى أضيق الطريق ) ولا يتشبهون بالمسلمين في الزي ، ويؤدبون على ترك الزنانير ; لأن اللبس يؤدي إلى تعظيمهم دون تعظيم المسلمين ، ولا يدخلون المساجد وأمر عمر بن عبد العزيز أن يختم في رقاب رجال أهل الذمة بالرصاص ، ويظهرون مناطقهم ، ويجزوا نواصيهم ، ويركبوا على الأكف عرضا ، وقال عمر رضي الله عنه : سموهم ولا تكنوهم ، وأذلوهم ولا تظلموهم ، ونهى أن يتخذ منهم كاتبا ، قال الله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) [ آل عمران 118 ] ونهى عنه عثمان - رضي الله عنه - وكتب عمر - رضي الله عنه - أن يقاموا من الأسواق ، وقاله مالك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية