الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جراح المكاتب

                                                                                                          قال مالك أحسن ما سمعت في المكاتب يجرح الرجل جرحا يقع فيه العقل عليه أن المكاتب إن قوي على أن يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته أداه وكان على كتابته فإن لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته وذلك أنه ينبغي أن يؤدي عقل ذلك الجرح قبل الكتابة فإن هو عجز عن أداء عقل ذلك الجرح خير سيده فإن أحب أن يؤدي عقل ذلك الجرح فعل وأمسك غلامه وصار عبدا مملوكا وإن شاء أن يسلم العبد إلى المجروح أسلمه وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده قال مالك في القوم يكاتبون جميعا فيجرح أحدهم جرحا فيه عقل قال مالك من جرح منهم جرحا فيه عقل قيل له وللذين معه في الكتابة أدوا جميعا عقل ذلك الجرح فإن أدوا ثبتوا على كتابتهم وإن لم يؤدوا فقد عجزوا ويخير سيدهم فإن شاء أدى عقل ذلك الجرح ورجعوا عبيدا له جميعا وإن شاء أسلم الجارح وحده ورجع الآخرون عبيدا له جميعا بعجزهم عن أداء عقل ذلك الجرح الذي جرح صاحبهم قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن المكاتب إذا أصيب بجرح يكون له فيه عقل أو أصيب أحد من ولد المكاتب الذين معه في كتابته فإن عقلهم عقل العبيد في قيمتهم وأن ما أخذ لهم من عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة ويحسب ذلك للمكاتب في آخر كتابته فيوضع عنه ما أخذ سيده من دية جرحه قال مالك وتفسير ذلك أنه كأنه كاتبه على ثلاثة آلاف درهم وكان دية جرحه الذي أخذها سيده ألف درهم فإذا أدى المكاتب إلى سيده ألفي درهم فهو حر وإن كان الذي بقي عليه من كتابته ألف درهم وكان الذي أخذ من دية جرحه ألف درهم فقد عتق وإن كان عقل جرحه أكثر مما بقي على المكاتب أخذ سيد المكاتب ما بقي من كتابته وعتق وكان ما فضل بعد أداء كتابته للمكاتب ولا ينبغي أن يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله ويستهلكه فإن عجز رجع إلى سيده أعور أو مقطوع اليد أو معضوب الجسد وإنما كاتبه سيده على ماله وكسبه ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن ولده ولا ما أصيب من عقل جسده فيأكله ويستهلكه ولكن عقل جراحات المكاتب وولده الذين ولدوا في كتابته أو كاتب عليهم يدفع إلى سيده ويحسب ذلك له في آخر كتابته [ ص: 185 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 185 ] 4 - باب جراح المكاتب

                                                                                                          - ( مالك : أحسن ما سمعت في المكاتب يجرح الرجل جرحا يقع فيه العقل عليه ) أي يلزمه عقل ما جرح ( أن المكاتب إن قوي أن يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته ، أداه وكان على كتابته ) بقي عليها ( وإن لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته ) فعاد قنا ( وذلك أنه ينبغي ) يجب ( أن يؤدي عقل ذلك الجرح قبل الكتابة ، فإن هو عجز عن أداء عقل ذلك الجرح ، فعل وأمسك غلامه وصار عبدا مملوكا ) لعجزه عن الكتابة ( وإن شاء أن يسلم العبد إلى المجروح أسلمه ، وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده ) وإن نقصت قيمته عما في الجرح . ( وفي القوم يتكاتبون جميعا فيجرح أحدهم جرحا فيه عقل ، قال مالك : من جرح منهم جرحا فيه عقل قيل له وللذين معه في الكتابة : أدوا جميعا عقل ذلك الجرح ) لأنكم حملاء ( فإن أدوا ثبتوا على كتابتهم وإن لم يؤدوه فقد عجزوا ، ويخير سيدهم فإن شاء أدى عقل ذلك الجرح ورجعوا عبيدا له جميعا ، وإن شاء أسلم الجارح وحده ) لأنه الجاني ( ورجع الآخرون عبيدا له جميعا بعجزهم ) الباء سببية ( عن أداء عقل ذلك الجرح الذي جرح صاحبهم ) الذي [ ص: 186 ] معهم في الكتابة ؛ لأنهم حملاء .

                                                                                                          ( مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن المكاتب إذا أصيب بجرح يكون له فيه عقل ، أو أصيب أحد من ولد المكاتب الذين معه في كتابته ، فإن عقلهم عقل العبيد في قيمتهم ) لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ( وأن ما أخذ لهم من عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة ، ويحسب ذلك للمكاتب في آخر كتابته فيوضع عنه ما أخذ سيده من دية جرحه ) لإحرازه ماله وهو ماله . ( وتفسير ذلك ) أي بيانه وإيضاح علة حكمه ( أنه كان كاتبه على ثلاثة آلاف درهم ) مثلا ( وكان دية جرحه الذي أخذها سيده ألف درهم ، فإذا أدى المكاتب إلى سيده ألفي درهم فهو حر ، وإن كان الذي بقي عليه من كتابته ألف درهم وكان الذي أخذ من دية جرحه ألف درهم فقد عتق ) لأنه أدى ما عليه . ( وإن كان عقل جرحه أكثر مما بقي على المكاتب ، أخذ سيد المكاتب ما بقي من كتابته وعتق ) المكاتب ( وكان ما فضل بعد أداء كتابته للمكاتب ، ولا ينبغي ) لا يجوز ( أن يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله ويستهلكه ، فإن عجز رجع إلى سيده أعور أو مقطوع اليد أو معضوب ) بمهملة فمعجمة ، أي مقطوع ( الجسد ) والمعنى يرجع بما أصابه من الجرح ( وإنما كاتبه سيده على ماله وكسبه ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن ولده ولا ما أصيب من عقل جسده فيأكله ويستهلكه ) فلذا كان للمكاتب عقل جراحه ؛ لأنه ليست من كسبه [ ص: 187 ] ( ولكن عقل جراحات المكاتب وولده الذين ولدوا في كتابته أو كاتب عليهم ، يدفع إلى سيده ويحسب ذلك له في آخر كتابته ) ليخرج حرا .




                                                                                                          الخدمات العلمية