الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة فقال له أسلم إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر إن هذا لشراب طيب فشرب منه ثم ناوله رجلا عن يمينه فلما أدبر عبد الله ناداه عمر بن الخطاب فقال أأنت القائل لمكة خير من المدينة فقال عبد الله فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا ثم قال عمر أأنت القائل لمكة خير من المدينة قال فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا ثم انصرف

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1654 1606 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن عبد الرحمن بن القاسم ) بن [ ص: 370 ] محمد بن الصديق ، وهذا من رواية الكبير عن الصغير ; لأن يحيى تابعي سمع من أنس بن مالك أحاديث ، وعبد الرحمن وإن عاصره لكن لم يلق أحدا من الصحابة وهما جميعا من شيوخ مالك .

                                                                                                          ( أن أسلم مولى عمر بن الخطاب ) ثقة مخضرم مات سنة ثمانين وقيل : بعد سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة ( أخبره أنه زار عبد الله بن عياش ) بتحتية ثقيلة وشين معجمة له صحبة وأبوه صحابي شهير ( المخزومي ) ( فرأى عنده نبيذا ) بذال معجمة تمرا وزبيبا طرح في ماء ( وهو بطريق مكة فقال له أسلم : إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب ) لأنه حلو بارد وكان المصطفى يحب الحلو البارد ( فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما ) كبيرا ( فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يده ) أي : عمر ( فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر : إن هذا ) الذي في القدح ( لشراب طيب فشرب منه ثم ناوله رجلا عن يمينه ) عملا بالسنة ( فلما أدبر ) ولى ( عبد الله ناداه ) دعاه ( عمر بن الخطاب فقال : أأنت ) بهمزتين أولاهما للاستفهام ( القائل : لمكة ) بلام التأكيد ( خير ) أفضل ( من المدينة ؟ فقال عبد الله : فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته ) الكعبة وما أضيف لله خير مما أضيف إلى رسوله ( فقال عمر : لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا ) يعني أن هذا ليس من محل الخلاف ولم أسألك عنه إنما سألتك عن البلدين ( ثم قال عمر ) ثانيا لينظر هل تغير اجتهاده إلى موافقة عمر في تفضيل المدينة ( أأنت القائل لمكة خير من المدينة ؟ قال ) عبد الله : ( فقلت : هي حرم الله وأمنه وفيها بيته ) الكعبة ( فقال عمر : لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا ثم انصرف ) عبد الله ولم يتغير اجتهاد واحد منهما لموافقة الآخر وقد اختلف السلف أي البلدين أفضل ، فذهب الأكثر إلى تفضيل مكة وبه قال الشافعي وابن وهب ومطرف وابن [ ص: 371 ] حبيب ، واختاره ابن عبد البر وابن رشد وابن عرفة ، وذهب عمر وجماعة وأكثر أهل المدينة ومالك وأصحابه سوى من ذكر إلى تفضيل المدينة واختاره بعض الشافعية ، والأدلة كثيرة من الجانبين حتى قال الإمام ابن أبي جمرة بتساوي البلدين ، والسيوطي في الحجج المبينة : المختار الوقف عن التفضيل لتعارض الأدلة بل الذي تميل إليه النفس تفضيل المدينة ثم قال : وإذا تأمل ذو البصيرة لم يجد فضلا أعطيته مكة إلا وأعطيت المدينة نظيره وأعلى منه ، وجزم في خصائصه بأن المختار تفضيل المدينة ، ومحل الخلاف ما عدا البقعة التي ضمت أعضاءه صلى الله عليه وسلم فهي أفضل إجماعا من جميع بقاع الأرض والسماوات كما حكاه عياض وغيره ، ويليها الكعبة فهي أفضل من بقية المدينة اتفاقا كما قال الشريف السمهودي وإليه يومئ كلام عمر بن الخطاب .




                                                                                                          الخدمات العلمية