الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1827 1780 - ( مالك عن نافع ) مولى ابن عمر ( عن سائبة مولاة لعائشة ) مرسل ، وهو موصول في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عمر ، وعائشة ، وأبي لبابة : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان ) - بكسر الجيم ، وفتح النون الثقيلة - جمع جان ، وهي الحية الصغيرة ، وقيل : الرفيعة الخفيفة ، وقيل : الرقيقة البيضاء ، وقيل : ما لا يتعرض لإذاية الناس .

                                                                                                          وعن ابن عباس : الجنان مسخ الجن ، كما مسخت القردة من بني إسرائيل .

                                                                                                          وقال ابن وهب : هي عوامر البيوت ، فتمثل في صفة حية رقيقة بالمدينة ، وغيرها ، وهي التي نهى عن قتلها حتى تنذر .

                                                                                                          وذكر الترمذي عن ابن المبارك : إنما يقتل من الحيات التي تكون رقيقة كأنها فضة ، ولا تلتوي في مشيها ، قاله عياض .

                                                                                                          قال الأبي : لولا تفسير من فسر الجنان بالحيات عموما ، لتوهم أنه لا ينذر [ ص: 613 ] من جنان البيوت إلا الصغير على من فسر الجنان بالصغير ، ( التي في البيوت ) عموما أو بيوت خاصة على ما مر حتى تنذر ، ويقتل ما وجد في الصحاري بلا إنذار .

                                                                                                          قال مالك : ويقتل ما وجد منها في المساجد ، ( إلا ذا الطفيتين ) - بضم الطاء المهملة ، وسكون الفاء - تثنية طفية ، وهو خوصة المقل شبه به الخطين الذين على ظهر الحية ، قاله المازري وغيره .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : يقال إن ذا الطفيين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان .

                                                                                                          ( والأبتر ) مقطوع الذنب ، أو الحية الصغيرة الذنب .

                                                                                                          وقال الداودي : هو الأفعى التي قدر شبر ، أو أكثر قليلا ، والعطف يقتضي التغاير بينهما .

                                                                                                          وفي بعض طرق الحديث في الصحيح : " لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين " ، وظاهره اتحادهما لكنه لا ينفي المغايرة .

                                                                                                          وقال الكرماني : الواو للجمع بين الوصفين ، لا بين الذاتين فالمعنى : اقتلوا الحية الجامعة بين الأبترية ، وكونها ذات طفيتين كقولهم : مررت بالرجل الكريم ، والنسمة المباركة ، ولا منافاة أيضا بين الأمر بقتل ما اتصف بإحدى الصفتين ، وبقتل ما اتصف بهما معا ؛ لأن الصفتين قد يجتمعان فيها ، وقد يفترقان .

                                                                                                          ( فإنهما يخطفان ) - بفتح الطاء - البصر ، وفي رواية : يطمسان ( البصر ) ، أي : يمحوان نوره ، ( ويطرحان ما في بطون النساء ) من الحمل ، وفي رواية : ويسقطان الحبل - بفتح الموحدة - قال الأبي : إما للفزع ، أو لخاصية فيهما ، وقد تكون الخاصية قول ابن شهاب نرى ذلك من سمهما .

                                                                                                          قال الحافظ : زعم الداودي أنه أذن في قتلهما ؛ لأن الجان لا يتمثل بهما ، وإنما يتم إن جعل الاستثناء منقطعا ، فإن كان متصلا ففيه رد عليه ، انتهى .

                                                                                                          وبه علم قول السيوطي ، إنما استثنيا ؛ لأن مؤمني الجن لا يتصورون في صورهما لأذيتهما بنفس رؤيتهما ، وإنما يتصور مؤمنوا الجن بصورة من لا تضر رؤيته ، فإن هذا كلام الداودي ، وقد علم ما فيه ، وأيضا تعليله بهذا خلاف ظاهر تعليله ، صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية