وأما - : فمعلوم أنه لا يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله ، ولا يجب على كل أحد من الإيمان المفصل مما أخبر به الرسول ما يجب على من بلغه خبره ، كما في حق زيادة الإيمان من جهة الإجمال والتفصيل وأمثاله . النجاشي
[ ص: 467 ] وأما الزيادة بالعمل والتصديق ، المستلزم لعمل القلب والجوارح - : [ فهو ] أكمل من التصديق الذي لا يستلزمه ، فالعلم الذي يعمل به صاحبه أكمل من العلم الذي لا يعمل به ، فإذا لم يحصل اللازم دل على ضعف الملزوم . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس المخبر كالمعاين ، وموسى عليه السلام لما أخبر أن قومه عبدوا العجل لم يلق الألواح ، فلما رآهم قد عبدوه ألقاها ، وليس ذلك لشك موسى في خبر الله ، لكن المخبر وإن جزم بصدق المخبر ، فقد لا يتصور المخبر به في نفسه ، كما يتصوره إذ عاينه ، كما قال إبراهيم الخليل صلوات الله عليه : رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي [ ص: 468 ] [ البقرة : 260 ] .
وأيضا : فمن وجب عليه الحج والزكاة مثلا ، يجب عليه من الإيمان أن يعلم ما أمر به ، ويؤمن بأن الله أوجبه ما لا يجب على غيره إلا مجملا ، وهذا يجب عليه فيه الإيمان المفصل .
وكذلك الرجل أول ما يسلم ، إنما يجب عليه الإقرار المجمل ، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها ويؤديها ، فلم يتساو الناس فيما أمروا به من الإيمان .
ولا شك أن من قام بقلبه التصديق الجازم ، الذي لا يقوى على معارضته شهوة ولا شبهة - : لا تقع معه معصية ، ولولا ما حصل له من الشهوة والشبهة أو إحداهما لما عصى ، بل يشتغل قلبه ذلك الوقت بما يواقعه من المعصية ، فيغيب عنه التصديق والوعيد فيعصي . ولهذا - والله أعلم - قال صلى الله عليه وسلم : ، الحديث . فهو حين يزني يغيب عنه تصديقه بحرمة الزنا ، وإن بقي أصل التصديق في قلبه ، ثم يعاوده . فإن المتقين كما وصفهم الله تعالى بقوله : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ ص: 469 ] [ الأعراف : 201 ] . قال ليث عن مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه . والشهوة والغضب مبدأ السيئات ، فإذا أبصر رجع . ثم قال تعالى : وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون [ الأعراف : 202 ] أي : وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون . قال : لا الإنس تقصر عن السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم . فإذا لم يبصر يبقى قلبه في عمى ، والشيطان يمده في غيه ، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب ، فذلك النور والإبصار ، وتلك الخشية والخوف تخرج من قلبه . وهذا كما أن الإنسان يغمض عينيه فلا يرى ، وإن لم يكن أعمى ، فكذلك القلب ، بما يغشاه من رين الذنوب ، لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر . وجاء هذا المعنى مرفوعا إلى [ ص: 470 ] النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ابن عباس . إذا زنى العبد نزع منه الإيمان ، فإن تاب أعيد إليه