فصل
في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=28710حقيقة التأويل لغة واصطلاحا
هو تفعيل من آل يئول إلى كذا إذا صار إليه ، فالتأويل التصيير ، وأولته تأويلا إذا صيرته إليه ، قال : وتأول وهو مطاوع أولته ، وقال
الجوهري : التأويل تفسير ما يئول إليه الشيء ، وقد أولته وتأولته بمعنى ، قال
الأعشى :
على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا
قال
أبو عبيدة : تأول حبها أي : تفسيره ومرجعه ، أي إن حبها كان صغيرا في قلبه فلم يزل يشب حتى أصحب فصار قديما ، كهذا السقب الصغير لم يزل يشب حتى صار كبيرا مثل أمه وصار له ابن يصحبه ، والسقب ( بفتح السين ) ولد الناقة أو ساعة يولد أو خاص بالذكر .
ثم تسمى العاقبة تأويلا لأن الأمر يصير إليها ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) ، وتسمى حقيقة الشيء المخبر به تأويلا لأن الأمر ينتهي إليه ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ) فمجيء تأويله مجيء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر
[ ص: 21 ] والمعاد وتفاصيله والجنة والنار ، ويسمى تعبير الرؤيا تأويلها بالاعتبارين ، فإنه تفسير لها وهو عاقبتها وما تئول إليه ، وقال
يوسف لأبيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل . أي حقيقتها ومصيرها إلى هاهنا . انتهى .
وتسمى العلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلا لأنها بيان لمقصود الفاعل وغرضه من الفعل الذي لم يعرف الرائي له غرضه به ، ومنه قول
الخضر لموسى بعد أن ذكر له الحكمة المقصودة بما فعله من تخريق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار بلا عوض :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فلما أخبره بالعلة الغائية التي انتهى إليها فعله قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28710فالتأويل في كتاب الله تعالى المراد منه حقيقة المعنى الذي يئول اللفظ إليه ، وهي الحقيقة الموجودة في الخارج ، فإن الكلام نوعان : خبر وطلب ، فتأويل الخبر هو الحقيقة ، وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به ، وتأويل ما أخبر الله به من صفاته العلى وأفعاله نفس ما هو عليه سبحانه ، وما هو موصوف به من الصفات العلى ، وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها ، قالت
عائشة رضي الله عنها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347153كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك " يتأول القرآن . فهذا التأويل هو فعل نفس المأمور به .
فهذا هو التأويل في كلام الله ورسوله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28710التأويل في اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث فمرادهم به معنى التفسير والبيان ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره : القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا ، ومنه قول الإمام
أحمد في الرد على
الجهمية " فيما تأولته من القرآن على غير تأويله " فأبطل تلك التأويلات التي ذكرها وهو تفسيرها المراد بها وهو تأويلها عنده ، فهذا التأويل يرجع إلى فهم المؤمن ويحصل في الذهن والأول يعود إلى وقوع حقيقته في الخارج .
وأما
المعتزلة والجهمية وغيرهم من المتكلمين فمرادهم بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره ، وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه .
[ ص: 22 ] ولهذا يقولون : التأويل على خلاف الأصل . والتأويل يحتاج إلى دليل ، وهذا التأويل هو الذي صنف في تسويغه وإبطاله من الجانبين ، فمن صنف في إبطال التأويل على رأي المتكلمين
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى والشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين ابن قدامة ، وقد حكى غير واحد إجماع السلف على عدم القول به .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=31700التأويل الباطل تأويل
أهل الشام nindex.php?page=hadith&LINKID=10347154قوله صلى الله عليه وسلم لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " ، فقالوا : نحن لم نقتله إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا ، وهذا التأويل مخالف لحقيقة اللفظ وظاهره فإن الذي قتله هو الذي باشر قتله لا من استنصر به ، ولهذا رد عليهم من هو أولى بالحق والحقيقة منهم فقالوا : أفيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الذين قتلوا
حمزة والشهداء معه لأنهم أتوا بهم حتى أوقعوهم تحت سيوف المشركين ؟
ومن هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير لما روى حديث
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347155فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر " فقيل له : فما بال عائشة أتمت في السفر ؟ قال : تأولت كما تأول عثمان ، وليس مراده أن
عائشة وعثمان تأولا آية القصر على خلاف ظاهرها وإنما مراده أنهما تأولا دليلا قام عندهما اقتضى جواز الإتمام فعملا به ، فكان عملهما به هو تأويله ، فإن العمل بدليل الأمر هو تأويله كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره ) بامتثاله بقوله "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347156سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " ، فكأن
عائشة وعثمان تأولا
[ ص: 23 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) فإن إتمامها من إقامتها ، وقيل : تأولت
عائشة أنها أم المؤمنين وأن أمهم حيث كانت فكأنها مقيمة بينهم ، وأن
عثمان كان إمام المسلمين فحيث كان فهو منزله ، أو أنه كان قد عزم على الاستيطان
بمنى أو أنه كان قد تأهل بها ، ومن تأهل ببلد لم يثبت له حكم المسافر ، أو أن الأعراب كانوا قد كثروا في ذلك الموسم فأحب أن يعلمهم فرض الصلاة وأنها أربع أو غير ذلك من التأويلات التي ظناها أدلة مقيدة لمطلق القصر أو مخصصة لعمومه وإن كانت كلها ضعيفة ، والصواب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان إمام المسلمين
وعائشة أم المؤمنين في حياته ومماته ، وقد قصرت معه ولم يكن
عثمان ليقيم
بمكة وقد بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رخص في الإقامة به للمهاجرين بعد قضاء نسكهم ثلاثا ، والمسافر إذا تزوج في طريقه لم يثبت به حكم الإقامة بمجرد التزوج ما لم يزمع الإقامة .
وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الصحيح وغيره هو الفاسد .
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=28710حَقِيقَةِ التَّأْوِيلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا
هُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ آلَ يَئُولُ إِلَى كَذَا إِذَا صَارَ إِلَيْهِ ، فَالتَّأْوِيلُ التَّصْيِيرُ ، وَأَوَّلْتُهُ تَأْوِيلًا إِذَا صَيَّرْتُهُ إِلَيْهِ ، قَالَ : وَتَأَوَّلَ وَهُوَ مُطَاوعُ أَوَّلْتُهُ ، وَقَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : التَّأْوِيلُ تَفْسِيرُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ ، وَقَدْ أَوَّلْتُهُ وَتَأَوَّلْتُهُ بِمَعْنًى ، قَالَ
الْأَعْشَى :
عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَأَوَّلُ حُبَّهَا تَأَوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا
قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : تَأَوُّلُ حُبِّهَا أَيْ : تَفْسِيرُهُ وَمَرْجِعُهُ ، أَيْ إِنَّ حُبَّهَا كَانَ صَغِيرًا فِي قَلْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى أَصْحَبَ فَصَارَ قَدِيمًا ، كَهَذَا السَّقْبِ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى صَارَ كَبِيرًا مِثْلَ أُمِّهِ وَصَارَ لَهُ ابْنٌ يَصْحَبُهُ ، وَالسَّقْبِ ( بِفَتْحِ السِّينِ ) وَلَدُ النَّاقَةِ أَوْ سَاعَةَ يُولَدُ أَوْ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ .
ثُمَّ تُسَمَّى الْعَاقِبَةُ تَأْوِيلًا لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلَيْهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) ، وَتُسَمَّى حَقِيقَةُ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ بِهِ تَأْوِيلًا لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) فَمَجِيءُ تَأْوِيلِهِ مَجِيءُ نَفْسِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْيَوْمِ الْآخِرِ
[ ص: 21 ] وَالْمَعَادِ وَتَفَاصِيلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَيُسَمَّى تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا تَأْوِيلَهَا بِالِاعْتِبَارَيْنِ ، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهَا وَهُوَ عَاقِبَتُهَا وَمَا تَئُولُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ
يُوسُفُ لِأَبِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ . أَيْ حَقِيقَتُهَا وَمَصِيرُهَا إِلَى هَاهُنَا . انْتَهَى .
وَتُسَمَّى الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ وَالْحِكْمَةُ الْمَطْلُوبَةُ بِالْفِعْلِ تَأْوِيلًا لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِمَقْصُودِ الْفَاعِلِ وَغَرَضِهِ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفِ الرَّائِي لَهُ غَرَضَهُ بِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْخَضِرِ لِمُوسَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ الْحِكْمَةَ الْمَقْصُودَةَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ تَخْرِيقِ السَّفِينَةِ وَقَتْلِ الْغُلَامِ وَإِقَامَةِ الْجِدَارِ بِلَا عِوَضٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِالْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا فِعْلُهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28710فَالتَّأْوِيلُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى الَّذِي يَئُولُ اللَّفْظُ إِلَيْهِ ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ نَوْعَانِ : خَبَرٌ وَطَلَبٌ ، فَتَأْوِيلُ الْخَبَرِ هُوَ الْحَقِيقَةُ ، وَتَأْوِيلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ هُوَ نَفْسُ الْمَوْعُودِ وَالْمُتَوَعَّدِ بِهِ ، وَتَأْوِيلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَى وَأَفْعَالِهِ نَفْسُ مَا هُوَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، وَمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْعُلَى ، وَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ هُوَ نَفْسُ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا ، قَالَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347153كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ " يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ . فَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ فِعْلُ نَفْسِ الْمَأْمُورِ بِهِ .
فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28710التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَمُرَادُهُمْ بِهِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ : الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ فِي الرَّدِّ عَلَى
الْجَهْمِيَّةِ " فِيمَا تَأَوَّلَتْهُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " فَأَبْطَلَ تِلْكَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ تَفْسِيرُهَا الْمُرَادُ بِهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهَا عِنْدَهُ ، فَهَذَا التَّأْوِيلُ يَرْجِعُ إِلَى فَهْمِ الْمُؤْمِنِ وَيَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ وَالْأَوَّلُ يَعُودُ إِلَى وُقُوعِ حَقِيقَتِهِ فِي الْخَارِجِ .
وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَمُرَادُهُمْ بِالتَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الشَّائِعُ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ .
[ ص: 22 ] وَلِهَذَا يَقُولُونَ : التَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ . وَالتَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي صَنَّفَ فِي تَسْوِيغِهِ وَإِبْطَالِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ، فَمَنْ صَنَّفَ فِي إِبْطَالِ التَّأْوِيلِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13439مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ ، وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ .
وَمِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=31700التَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ تَأْوِيلُ
أَهْلِ الشَّامِ nindex.php?page=hadith&LINKID=10347154قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ : " تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " ، فَقَالُوا : نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَعَهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُخَالِفٌ لِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ فَإِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ لَا مَنِ اسْتَنْصَرَ بِهِ ، وَلِهَذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ فَقَالُوا : أَفَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا
حَمْزَةَ وَالشُّهَدَاءَ مَعَهُ لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِهِمْ حَتَّى أَوْقَعُوهُمْ تَحْتَ سُيُوفِ الْمُشْرِكِينَ ؟
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347155فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ " فَقِيلَ لَهُ : فَمَا بَالُ عَائِشَةَ أَتَمَّتْ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ
عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ تَأَوَّلَا آيَةَ الْقَصْرِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُمَا تَأَوَّلَا دَلِيلًا قَامَ عِنْدَهُمَا اقْتَضَى جَوَازَ الْإِتْمَامِ فَعَمِلَا بِهِ ، فَكَانَ عَمَلُهُمَا بِهِ هُوَ تَأْوِيلُهُ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ هُوَ تَأْوِيلُهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ) بِامْتِثَالِهِ بِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347156سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " ، فَكَأَنَّ
عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ تَأَوَّلَا
[ ص: 23 ] قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) فَإِنَّ إِتْمَامَهَا مِنْ إِقَامَتِهَا ، وَقِيلَ : تَأَوَّلَتْ
عَائِشَةُ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ أُمَّهُمْ حَيْثُ كَانَتْ فَكَأَنَّهَا مُقِيمَةٌ بَيْنَهُمْ ، وَأَنَّ
عُثْمَانَ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ فَحَيْثُ كَانَ فَهُوَ مَنْزِلُهُ ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الِاسْتِيطَانِ
بِمِنًى أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا ، وَمَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ ، أَوْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا قَدْ كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا أَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ظَنَّاهَا أَدِلَّةً مُقَيِّدَةً لِمُطْلِقِ الْقَصْرِ أَوْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِهِ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ضَعِيفَةً ، وَالصَّوَابُ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ
وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ ، وَقَدْ قَصَرَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَكُنْ
عُثْمَانُ لِيُقِيمَ
بِمَكَّةَ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَخَّصَ فِي الْإِقَامَةِ بِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِمْ ثَلَاثًا ، وَالْمُسَافِرُ إِذَا تَزَوَّجَ فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ مَا لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّأْوِيلُ الَّذِي يُوَافِقُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْفَاسِدُ .