الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
الخامس : ما ألف استعماله في غير ذلك المعنى لكن في غير التركيب الذي ورد النص ، فيحمله المتأول في هذا التركيب الذي لا يحتمله على مجيئه في تركيب آخر يحتمله كتأويل اليدين في قوله تعالى : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) بالنعمة ، ولا ريب أن العرب تقول : لفلان عندي يد ، وقال عروة بن مسعود للصديق رضي الله عنه : لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك .

ولكن وقوع اليد في هذا التركيب الذي أضاف سبحانه فيه الفعل إلى نفسه ثم تعدى الفعل إلى اليد بالباء التي هي نظير كتبت بالقلم ، وجعل ذلك خاصة خص بها صفيه آدم دون البشر ، كما خص المسيح بأنه نفخ فيه من روحه ، وخص موسى بأن كلمه بلا واسطة .

فهذا مما يحيل تأويل اليد في النص بالنعمة ، وإن كانت في تركيب آخر تصلح لذلك ، فلا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنى ما في تركيب صلاحيته له في كل تركيب . وكذلك قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) يستحيل فيها تأويل النظر بانتظار الثواب ، فإنه أضاف النظر إلى الوجوه بالنظرة التي لا تحصل إلا مع حضور ما يتنعم به لا مع التنغيص بانتظاره ، ويستحيل مع هذا التركيب تأويل النظر بغير الرؤيا وأن كل النظر بمعنى الانتظار في قوله تعالى : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) ، وقوله : ( فناظرة بم يرجع المرسلون ) .

ومثل هذا قول الجهمي الملبس : إذا قال لك المشبه : ( الرحمن على العرش استوى ) فقل له : العرش له عدة معان ، والاستواء له خمس معان ، فأي ذلك المراد ؟ فإن المشبه يتحير ولا يدري ما يقول .

فيقال لهذا الجاهل : ويلك ، ما ذنب الموحد الذي سميته أنت وأصحابك مشبها وقد قال لك نفس ما قال الله تعالى ، فوالله لو كان مشبها كما تزعم لكان أولى بالله ورسوله منك لأنه لم يتعد النص .

[ ص: 26 ] وأما قولك : العرش له سبعة معان ونحوه ، والاستواء له خمسة معان فتلبيس منك على الجهال وكذب ظاهر ، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معان فاللام للعهد قد صار بها في العرش معينا وهو عرش الرب تعالى ، الذي هو سرير ملكه الذي اتفقت عليه الرسل وأقرت به الأمم إلا من نابذ الرسل .

وقولك : الاستواء له عدة معان تلبيس آخر منك ، فإن الاستواء المعدى بأداة " على " ليس له إلا معنى واحد ، وأما الاستواء المطلق فله عدة معان ، فإن العرب تقول : استوى كذا : انتهى وكمل ، ومنه قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده واستوى ) وتقول : استوى وكذا إذا ساواه نحو قولهم : استوى الماء والخشبة واستوى الليل والنهار ، وتقول : استوى إلى كذا إذا قصد إليه علوا وارتفاعا نحو استوى إلى السطح والجبل واستوى على كذا أي ارتفع عليه وعلا عليه ، ولا تعرف العرب غير هذا ، فالاستواء في هذا التركيب نص لا يحتمل غير معناه كما هو نص في قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده واستوى ) لا يحتمل غير معناه ، ونص في قولهم : استوى الليل والنهار في معناه ولا تحتمل غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية