[ ص: 117 ] الثالث عشر : أن الشبهات القادحة في نبوات الأنبياء ووجود الرب ومعاد الأبدان التي يسميها أربابها حججا عقلية في كل معارضة للنقل ، وهي أقوى من الشبه التي يدعي النفاة للصفات أنها معقولات خالفت النقل ومن جنسها أو قريب منها ، كما قيل :
دع الخمر يشربها الغواة فإنني رأيت أخاه مغنيا عن مكانها فإن لم يكنها أو تكنه فإنه
أخوها غذته أمه بلبانها
قد أورد على القدح في النبوات ثمانين شبهة أو أكثر وهي كلها عقلية ، وأورد على إثبات وجود الصانع سبحانه نحو أربعين شبهة ، وأورد على المعاد مثل ذلك ، والله يعلم أن هذه الشبه من جنس شبه نفاة الصفات وعلو الله على خلقه وتكليمه وتكلمه ورؤيته بالأبصار عيانا في الآخرة ، لكن نفقت هذه الشبهة بجاه نسبة أربابها إلى الإسلام وأن القوم يذبون على دين الله وينزهون الرب عما لا يليق به ، وإلا فعند التحقيق القاع عرفج ، ولا فرق بين الشبه المعارضة لأصل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الشبه المعارضة لما أخبر به ، ومن تأمل هذا وهذا تبين له حقيقة الحال ، وربما وجد الشبه القادحة في أصل النبوة أكثر من الشبه المعارضة لما أخبرت به الرسل .
فنقول لمن
nindex.php?page=treesubj&link=29616_29641قدم المعقول على ما أخبر به الرسول : هل تقدم المعقول المعارض لأصل الرسالة والنبوة وأنت قد أوردته وأجبت عنه بما تعلم أن صدرك لم ينثلج له ، فإن تلك الأجوبة مبنية على قواعد قد اضطرب فيها قولك ، فمرة تثبتها ومرة تنفيها ومرة تقف فيها ، أن تطرح تلك المقولات وتشهد بفسادها ، فهلا سلكت في المعقولات المعارضة لخبر الرسول ما سلكت في تلك ، فكانت السبيل واحدة ؟ يوضحه :
[ ص: 117 ] الثَّالِثَ عَشَرَ : أَنَّ الشُّبَهَاتِ الْقَادِحَةَ فِي نُبُوَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَوُجُودِ الرَّبِّ وَمَعَادِ الْأَبْدَانِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَرْبَابُهَا حُجَجًا عَقْلِيَّةً فِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ لِلنَّقْلِ ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي يَدَّعِي النُّفَاةُ لِلصِّفَاتِ أَنَّهَا مَعْقُولَاتٌ خَالَفَتِ النَّقْلَ وَمِنْ جِنْسِهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا ، كَمَا قِيلَ :
دَعِ الْخَمْرَ يَشْرَبْهَا الْغُوَاةُ فَإِنَّنِي رَأَيْتُ أَخَاهُ مُغْنِيًا عَنْ مَكَانِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فَإِنَّهُ
أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلَبَانِهَا
قَدْ أَوْرَدَ عَلَى الْقَدْحِ فِي النُّبُوَّاتِ ثَمَانِينَ شُبْهَةً أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ كُلُّهَا عَقْلِيَّةٌ ، وَأَوْرَدَ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ شُبْهَةً ، وَأَوْرَدَ عَلَى الْمَعَادِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ مِنْ جِنْسِ شُبَهِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ وَعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَتَكْلِيمِهِ وَتَكَلُّمِهِ وَرُؤْيَتِهِ بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا فِي الْآخِرَةِ ، لَكِنْ نَفَقَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِجَاهِ نِسْبَةِ أَرْبَابِهَا إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْقَوْمَ يَذُبُّونَ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَيُنَزِّهُونَ الرَّبَّ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ ، وَإِلَّا فَعِنْدَ التَّحْقِيقِ الْقَاعُ عَرْفَجُ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشُّبَهِ الْمُعَارِضَةِ لِأَصْلِ نُبُوَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الشُّبَهِ الْمُعَارِضَةِ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَمَنْ تَأْمَّلَ هَذَا وَهَذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ الْحَالِ ، وَرُبَّمَا وَجَدَ الشُّبَهَ الْقَادِحَةَ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ أَكْثَرَ مِنَ الشُّبَهِ الْمُعَارِضَةِ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ .
فَنَقُولُ لِمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29616_29641قَدَّمَ الْمَعْقُولَ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ : هَلْ تُقَدِّمُ الْمَعْقُولَ الْمُعَارِضَ لِأَصْلِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَأَنْتَ قَدْ أَوْرَدْتَهُ وَأَجَبْتَ عَنْهُ بِمَا تَعْلَمُ أَنَّ صَدْرَكَ لَمْ يَنْثَلِجْ لَهُ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْأَجْوِبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوَاعِدَ قَدِ اضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُكَ ، فَمَرَّةً تُثْبِتُهَا وَمَرَّةً تَنْفِيهَا وَمَرَّةً تَقِفُ فِيهَا ، أَنْ تَطْرَحَ تِلْكَ الْمَقُولَاتِ وَتَشْهَدَ بِفَسَادِهَا ، فَهَلَّا سَلَكْتَ فِي الْمَعْقُولَاتِ الْمُعَارِضَةِ لِخَبَرِ الرَّسُولِ مَا سَلَكْتَ فِي تِلْكَ ، فَكَانَتِ السَّبِيلُ وَاحِدَةً ؟ يُوَضِّحُهُ :