الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال لأمته : إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حرة فقبلت ذلك فليس هذا بكتابة وله أن يبيعها ما لم تؤد وإن كسرت شهرا لم تؤد إليه ثم أدت إليه في غير ذلك الشهر لم تعتق كذا ذكر في رواية أبي حفص وهشام ، وذكر في رواية أخرى وقال : هذه مكاتبة وليس له أن يبيعها ، وإن كسرت شهرا واحدا ثم أدت في غير ذلك الشهر ; كان جائزا وجه هذه الرواية أنه أدخل فيه الأجل فدل أنه كتابة ، وجه رواية أبي حفص أن هذا تعليق العتق بشرط في وقت وهذا لا يدل على أنه كتابة كما لو قال لها : إن دخلت دار فلان اليوم أو دار فلان غدا فأنت حرة لا يكون ذلك كتابة وإن أدخل الأجل فيه ; والدليل على أن الصحيح هذه الرواية أنه إذا قال لها : إذا أديت إلي ألفا في هذا الشهر فأنت حرة فلم تؤدها في ذلك الشهر وأدتها في غيره ; لم تعتق ، ولو كان ذلك كتابة لما بطل ذلك إلا بحكم الحاكم أو بتراضيهما فدل أن هذا ليس بكتابة بل هو تعليق بشرط لكن بوقت دون وقت ثم التعليق بالأداء هل يقتصر على المجلس ؟ فإن قال : متى أديت أو متى ما أديت أو إذا ما أديت فلا شك أن هذا كله لا يقتصر على المجلس ; لأن في هذه الألفاظ معنى الوقت وإن قال : إن أديت إلي ذكر في الأصل أنه يقتصر على المجلس ، وظاهر ما رواه بشر عن أبي يوسف يدل أنه لا يقتصر على المجلس فإنه قال في رواية عن أبي يوسف : إنه قال في رجل قال لعبده : إن أديت إلي ألفا فأنت حر أو متى أديت أو إن أديت فقد سوى بين هذه الكلمات ثم في كلمة : إذا أو متى لا يقتصر على المجلس فكذا في كلمة إن وكذا ذكر بشر ما يدل عليه فإنه قال عطفا على روايته عن أبي يوسف : إن المولى إذا باعه ثم اشتراه فأدى المال عتق ويبعد أن ينفذ البيع والشراء وأداء المال في مجلس واحد وهذا يدل على أن العتق لا يقتصر على المجلس في الألفاظ كلها والوجه فيه ظاهر ; لأنه عتق معلق بالشرط فلا يقف على المجلس كالتعليق بسائر الشروط من قوله : إن دخلت الدار فأنت حر وغير ذلك ، وجه رواية الأصل أن العتق المعلق بالأداء معلق باختيار العبد فصار كأنه قال : أنت حر إن شئت ولو قال : إن شئت يقتصر على المجلس ولو قال : إذا شئت أو متى شئت لا يقتصر على المجلس كذا ههنا ، وسواء أدى الألف جملة واحدة أو على التفاريق : خمسة وعشرة وعشرين أنه يجبر على القبول حتى إذا تم الألف يعتق ; لأنه علق [ ص: 62 ] العتق بأداء الألف مطلقا وقد أدى ، وروى ابن رستم عن محمد فيمن قال لعبده في مرضه : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر وقيمة العبد ألف فأداها من مال اكتسبه بعد القول فإنه يعتق من جميع المال استحسن أبو حنيفة ذلك ، وقال زفر : يعتق من الثلث وهو القياس ، ووجهه أن الكسب حصل على ملك المولى ; لأنه كسب عبده فإذا أسقط حقه عن الرقبة كان متبرعا فيعتبر من الثلث كما لو أعتقه ابتداء بخلاف الكتابة ; لأن المولى لا يملك أكساب العبد المكاتب فكان كسبه عوضا عن الرقبة فيعتق من جميع المال ، وجه الاستحسان أن القدر الذي يؤدى من الكسب الحاصل بعد القول ليس على ملك المولى ككسب المكاتب ; لأن المولى أطمعه العتق بأدائه إليه فصار تعليق العتق به سببا داعيا إلى تحصيله فصار كسبه من هذا الوجه بمنزلة كسب المكاتب ، ولو قال له : أد إلي ألفا وأنت حر فما لم يؤد لا يعتق ; لأنه أتى بجواب الأمر لأن جواب الأمر بالواو فيقتضي وجوب ما تعلق بالأمر وهو الأداء ولو قال : أد إلي ألفا فأنت حر فلا رواية في هذا وقيل هذا والأول سواء لا يعتق إلا بأداء المال إليه لأن جواب الأمر قد يكون بحرف الفاء ولو قال : أد إلي ألفا أنت حر يعتق للحال أدى أو لم يؤد ; لأنه لم يوجد ههنا ما يوجب تعلق العتق بالأداء حيث لم يأت بحرف الجواب ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية