: ( فصل ) :
وأما صفة الإعتاق فهي أن ؟ وقد اختلف فيه قال الإعتاق هل يتجزأ أم لا : يتجزأ سواء كان المعتق موسرا أو معسرا ، وقال أبو حنيفة أبو يوسف : لا يتجزأ كيف ما كان المعتق ، وقال ومحمد : إن كان معسرا يتجزأ ، وإن كان موسرا لا يتجزأ ، والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم ، قال بعضهم فيمن أعتق نصف عبد بينه وبين غيره : إنه يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقا ، يجب تخريجه إلى العتاق وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وقال بعضهم : يعتق كله وليس للشريك إلا الضمان ، وقال عبد الله بن مسعود علي رضي الله عنهما : عتق ما عتق ورق ما رق هما احتجا بالنص والمعقول والأحكام ، أما النص : فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { وابن عباس } وهذا نص على عدم التجزي ، وفي رواية : من أعتق شركا له في عبد ، فقد عتق كله ليس لله فيه شريك . : من أعتق شقصا له من عبد ، عتق كله ليس لله فيه شريك
وأما المعقول : فهو أن العتق في العرف اسم لقوة حكمية دافعة يد الاستيلاء ، والرق اسم لضعف حكمي يصير به الآدمي محلا للتملك فيعتبر الحكمي بالحقيقي ، وثبوت القوة الحقيقية والضعف الحقيقي في النصف شائعا مستحيل فكذا الحكمي ; ولأن للعتق آثارا من المالكية والولاية والشهادة والإرث ونحوها ، وثبوت هذه الآثار لا يحتمل التجزي ; ولهذا لم يتجزأ في حال الثبوت حتى لا يضرب الإمام الرق في أنصاف السبايا ويمن عليهم بالإنصاف ، كذا في حالة البقاء .
وأما الأحكام : فإن إعتاق النصف قد تعدى إلى النصف الباقي في الأحكام ، حتى امتنع جواز التصرفات الناقلة للملك فيه من البيع والهبة والصدقة والوصية عند أصحابنا ، وكذا يجب تخريجه إلى عتق الكل بالضمان أو بالسعاية ، حتى يجبره القاضي على ذلك ، وهذا من آثار عدم التجزي ، وكذا الاستيلاد لا يتجزأ حتى لو استولد جارية بينه وبين شريكه وادعاه ، تصير كلها أم ولد له بالضمان ، ومعلوم أن الاستيلاد يوجب حق الحرية لا حقيقة الحرية ، فالحق إذا لم يتجزأ فالحقيقة أولى ، وكذا ، عتق كلها ، وإذا لم يكن الإعتاق متجزئا لم يكن المحل في حق العتق متجزئا ، وإضافة التصرف إلى بعض ما لا يتجزأ في حقه يكون إضافة إلى الكل ، كالطلاق والعفو عن القصاص ، والله أعلم . لو عتق نصف أم ولده أو أم ولد بينه وبين شريكه
النصوص والمعقول والحكم ، أما النص : فما روي عن ولأبي حنيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { عبد الله بن عمر } . : من أعتق نصيبا له من مملوك ، كلف عتق بقيته ، وإن لم يكن عنده ما يعتقه فيه ، جاز ما صنع
وروي : كلف عتق ما بقي ، وروي : وجب عليه أن يعتق ما بقي ، وذلك كله نص على التجزي ; لأن تكليف عتق الباقي لا يتصور بعد ثبوت العتق في كله ، وقوله صلى الله عليه وسلم : جاز ما صنع ، إشارة إلى عتق البعض إذ هو الذي صنعه لا غير .
وروي عن رضي الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { عبد الله بن عمر } والحديث يدل على تعلق عتق الباقي بالضمان إذا كان المعتق موسرا ، وعلى عتق البعض إن كان معسرا ، فيدل على التجزي في حالة اليسار والإعسار . : من أعتق شركا له في عبد ، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل ، وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا عتق ما عتق
وروي عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 87 ] قال { أبي هريرة } وفي رواية { : من كان له شقص في مملوك فأعتقه فعليه خلاصه من ماله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى العبد في رقبته غير مشقوق عليه } وأما المعقول : فهو أن الإعتاق إن كان تصرفا في الملك والمالية بالإزالة ، فالملك متجزئ وكذا المالية بلا شك ، حتى تجري فيه سهام الورثة ويكون مشتركا بين جماعة كثيرة من الغانمين وغيرهم ، وإن كان تصرفا في الرق فالرق متجزئ أيضا ; لأن محله متجزئ وهو العبد وإذا كان محله متجزئا ، كان هو متجزئا ضرورة . : من أعتق شقصا له من مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه
وأما حكم الاثنين إذا أعتقا عبدا مشتركا بينهما ، كان الولاء بينهما نصفين والولاء من أحكام العتق فدل تجزؤه على تجزؤ العتق ، وأما الحديث : فقد قيل : إنه غير مرفوع بل هو موقوف على رضي الله عنه وقد روي عنه خلافه ، فإنه روي أنه قال في عبد بين صبي وبالغ أعتق البالغ نصيبه قال : ينتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ إن شاء أعتق وإن شاء استسعى ، ولئن ثبت رفعه فتأويله من وجهين : أحدهما أن معنى قوله : عتق كله أي : استحق عتق كله ; لأنه يجب تخريج الباقي إلى العتق لا محالة فيعتق الباقي لا محالة بالاستسعاء أو بالضمان ، وما كان مستحق الوجود يسمى باسم الكون والوجود قال الله تعالى : { عمر إنك ميت وإنهم ميتون } والثاني أنه يحتمل أن المراد منه عتق كله للحال ، ويحتمل أن المراد منه عتق كله عند الاستسعاء والضمان ، فنحمله على هذا عملا بالأحاديث كلها .
وأما قولهما : إن العتق قوة حكمية فيعتبر بالقوة الحقيقية وثبوتها في البعض شائعا ممتنع ، فكذا الحكمية ، فنقول : لم قلتم : إن اعتبار الحكم بالحقيقة لازم ؟ أليس أن الملك عبارة عن القدرة الحكمية والقوة والقدرة سواء ، ثم الملك يثبت في النصف شائعا وهذا ; لأن الأمر الشرعي يعرف بدليل الشرع وهو النص والاستدلال لا بالحقائق ، وما ذكر من الآثار فليست من لوازم العتق .
ألا ترى أنه يتصور ثبوت العتق بدونها كما في الصبي والمجنون ، بل هي من الثمرات وفوات الثمرة لا يخل بالذات ، ثم إنها من ثمرات حرية كل الشخص لا من ثمرات حرية البعض .
فإن الولايات والشهادات شرعت قضاء حق العاجزين ; شكرا لنعمة القدرة ، وذلك عند كمال النعمة وهو أن ينقطع عنه حق المولى ليصل إلى إقامة حقوق الغير ، وقولهما : لا يتجزأ ثبوته كذا زواله من مشايخنا من منع وقال : إن الإمام إذا ظهر على جماعة من الكفرة وضرب الرق على أنصافهم ومن على الأنصاف جاز ، ويكون حكمهم حكم معتق البعض في حالة البقاء ، ثم إن سلمنا ، فالرق متجزئ في نفسه حالة الثبوت ، لكنه تكامل لتكامل سببه وهو الاستيلاء إذ لا يتصور وروده على بعض المحل دون بعض ، وفي حالة البقاء وجود سبب زواله كاملا وقاصرا فيثبت كاملا وقاصرا على حسب السبب .
وأما التخريج إلى الإعتاق وامتناع جواز التصرفات فليس لعدم التجزؤ بل لمعنى آخر نذكره إن شاء الله تعالى وأما الاستيلاد ، فممنوع ; أنه لا يتجزأ بل هو متجزئ ، فإن ، صارت أم ولد لهما ، إلا أنه إذا ادعى أحدهما ، صارت كلها أم ولد له ; لوجود سبب التكامل وهو نسبة كل أم الولد إليه بواسطة الولد على ما نذكره في كتاب الاستيلاد وما من متجزئ إلا وله حال الكمال إذا وجد السبب بكمال يتكامل ، وإذا وجد قاصرا ، لا يتكامل بل يثبت بقدره ، وفي مسألتنا وجد قاصرا فلم يتكامل ، وكذا إعتاق أم الولد متجزئ والثابت له عتق النصف ، وإنما يثبت له العتق في النصف الباقي لا بإعتاقه ; بل لعدم الفائدة في بقاء نصيب الشريك كما في الطلاق والعفو عن القصاص ، على ما عرف في مسائل الخلاف ، والله أعلم . الأمة المشتركة بين اثنين إذا جاءت بولد فادعياه جميعا