الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون الإعتاق بغير عوض فإن كان بعوض لا يجوز ; لأن الكفارة عبارة عما يكون شاقا على البدن ، فإذا قابله عوض لا يشق عليه إخراجه عن ملكه ، ولما ذكرنا أن كفارة اليمين إنما تجب لإذاقة النفس مرارة زوال الملك بمقابلة ما استوفت من الشهوات في غير حلها .

                                                                                                                                وهذا المعنى لا يحصل إذا كان بعوض ; لأن الزائل إلى عوض قائم معنى ، فلا يتحقق ما وضعت له هذه الكفارة ، وعلى هذا يخرج ما إذا أعتق عبده على مال عن كفارته إنه لا يجوز ، وإن أبرأه بعد ذلك عن العوض ، لا يجوز أيضا ; لأنه وقع لا عن جهة التكفير ، ومضى على وجه ، فلا ينقلب كفارة بعد ذلك ، كما لو أعتق بغير نية الكفارة ، ثم نوى بعد العتق ولو كان العبد بين رجلين ، أعتقه أحدهما - وهو معسر - عن كفارته لا يجزيه ; لأن للشريك أن يستسعي العبد في نفسه بالاتفاق ، فيصير في معنى الإعتاق بعوض ، ولو كان في رقبة العبد دين فأعتقه المولى عن كفارته ، فاختار الغرماء استسعاء العبد ، أجزأه عن الكفارة ; لأن السعاية ليست بعوض عن الرق ، وإنما هي لدين لزم العبد قبل الحرية ، فيسعى وهو حر فلا يمنع جواز الإعتاق عن الكفارة ، وكذا لو أعتق عبدا رهنا فسعى العبد في الدين فإنه يرجع على المولى ، ويجوز عن الكفارة ; لأن السعاية ليست بدل الرق ; لأنها ما وجبت للتخريج إلى الإعتاق لحصول العتق بالإعتاق السابق ، وإنما هي لدين لزمه عن المولى ، وإن كان موسرا لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه لنقصان الملك والرق أيضا على ما بينا .

                                                                                                                                ألا ترى أنه لا يعتق إلا نصفه عنده لتجزي العتق عنده ؟ وعندهما لا يجوز ; لأن العتق لا يتجزأ عندهما فيتكامل ، ولا يتكامل الملك ، فيتملك نصيب الشريك بمقتضى الإعتاق ، ويسار المعتق يمنع استسعاء العبد عندهما فعري الإعتاق عن العوض فجاز ، ولو أعتق عبدا في مرض موته عن الكفارة وليس له مال غيره لم يجزه عن الكفارة ; لأنه يعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه ، فيصير بعضه ببدل وبعضه بغير بدل ، فلم يجز والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية