الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان ما يكون فسخا لهذا العقد ففسخه بطريقين : قول وفعل ، فالقول هو أن يقول من يملك الفسخ : فسخت أو نقضت أو رددت ونحو ذلك ، فينفسخ بنفس الفسخ ولا يحتاج إلى قضاء القاضي ولا إلى رضا البائع سواء كان قبل القبض أو بعده ; لأن هذا البيع إنما استحق الفسخ حقا لله عز وجل لما في الفسخ من رفع الفساد .

                                                                                                                                ورفع الفساد حق الله تعالى على الخلوص فيظهر في حق الكل فكان فسخا في حق الناس كافة فلا تقف صحته على القضاء ولا على الرضا والفعل هو أن يرد المبيع على بائعه على أي وجه ما رده ببيع أو هبة أو صدقة أو إعارة أو إيداع بأن باعه منه أو وهبه أو تصدق عليه أو أعاره منه أو أودعه إياه يبرأ المشتري عن الضمان ; لأنه يستحق الرد على البائع فعلى أي وجه ما رده يقع عن جهة الاستحقاق بمنزلة رد العارية الوديعة أنه يكون فسخا الوديعة بأي طريق كان الرد لما قلنا كذا هذا ، وكذا لو باعه المشتري من وكيل البائع وسلمه إليه ; لأن حكم البيع يقع لموكله وهو البائع فكأنه باعه للبائع ، ولو باعه المشتري من عبد بائعه وهو مأذون له في التجارة فإن لم يكن عليه دين كان فسخا للبيع ولا يبرأ عن المشتري ضمانه حتى يصل إلى البائع ; لأنه إذا لم يكن عليه دين فحكم تصرفه وقع للمولى فكان بيعا من المولى وإن كان عليه دين لا يكون فسخا للبيع ويتقرر الضمان على المشتري ; لأنه إذا كان عليه دين فحكم تصرفه [ ص: 301 ] لا يقع للمولى فلم يكن ذلك بيعا من المولى فصار كما إذا باعه من أجنبي .

                                                                                                                                ولو اشترى من عبد مأذون لإنسان شيئا منه شراء فاسدا وقبضه ، ثم إنه باعه من مولاه فإن لم يكن عليه دين كان فسخا للبيع ; لأنه يكون مشتريا من المولى كأنه اشتراه من مولاه ثم باعه منه فإن كان عليه دين لم يكن فسخا ; لأنه يكون مشتريا منه من مولاه فكأنه اشترى من أجنبي وباعه من مولاه ، ولو باعه المشتري من مضارب البائع لم يكن فسخا للبيع ، وتقرر الضمان على المشتري بخلاف ما إذا باعه من وكيل بائعه بالشراء أنه يكون فسخا .

                                                                                                                                ( ووجه ) الفرق أن الوكيل بالشراء يتصرف لموكله لا لنفسه ألا ترى أن حكم تصرفه يقع لموكله لا له ؟ فنزل منزلة البيع من الموكل وذلك فسخ فأما المضارب فمتصرف لنفسه ألا ترى أن الربح مشترك بينهما ؟ فكان بمنزلة الأجنبي ولو كان البائع وكيلا لغيره بالشراء فاشترى المشتري شراء فاسدا لموكله لم يكن فسخا للبيع ; لأن حكم الشراء يقع لموكله لا له ووجب عليه الثمن للمشتري وتقرر على المشتري ضمان القيمة ، ويلتقيان قصاصا لعدم الفائدة في الاستيفاء ويترادان الفضل إن كان في أحدهما فضل والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية